بقلم : محمد حسين صوالحة
أخذنا الحديث عن القصر ودخلنا أرض رسول المحبة والعطاء ، دخلنا أرض أبي القاسم والصديق والفاروق وذي النورين ومن كرم الإله وجهه ، دخلنا إلى انبثاق النور والهدى ، يا إلهي هذا الخافق بداخلي لم يعد يحتمل مقدار الفرح والسعادة اللذان يملآنه ، لا بل يتسعان عن ذلك لأصبح كلي عبارة عن شعلة من الفرح .
-هل نحتاج لكثير من الوقت للوصول إلى طيبة؟
لا نحن الآن فيها وفي طريقنا لموقف الحافلات ، وعاد أبو يونس يسير الهوينا ، اقتربنا من مبنى ضخم البناء شاسع المساحة اتخذ أبو يونس فيه مكاناً وأوقف الحافلة، ونادى بمكبر الصوت حمداً لله على سلامتكم، نحن الآن في المدينة المنورة وذلك هو المسجد النبوي الشريف .
– أين نحن الآن ؟
– نحن في ساحة المحكمة ،ويا مجنون سميت بهذا الاسم لأنه المكان الذي تُنفذ فيه الأحكام الشرعية .
لم نكن نبعد عن حدود التوسعة للمسجد الشريف إلا أمتاراً قليلة ، هبط المعتمرون وكل سار في اتجاه نادى أبو يونس بصوته الجهوري: قليل من الوقت ويحين موعد صلاة الجمعة، من أراد أن يبحث عن سكن يبحث، ومن أراد أن يقيم في المسجد فليذهب للمسجد ، سنقيم في المدينة أربعة أيام ، وأنت يا محمد ؟
ما الذي تريده ؟
– أريد سكناً نرتاح فيه كيفما شئنا ، وكانت أمي قد تعرفت على اثنتين من النساء من العين الأخرى ,العين التي أصابها الرمد من نابلس المحتلة، نابلس الثورة والإنسان، وقد اختارتا أن تشاركانا السكن .
– انتظر قليلاًوسأصطحبك إلى سكن مريح ،وصاحبه محترم وأسعاره ضمن الإمكان .
-حسنا : هيا بنا .
وسرنا وما هي إلا مسافة قصيرة حتى قابلنا باب السلام لمسجد الرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، اتخذنا الاتجاه الأيمن، وإذا بلافتة صغيرة كتب عليها “سكن النعمان2” دخلنا إليه واخترنا جناحاً كان مكوناً من غرفتي نوم وصالة بالإضافة لتوابعه ومكيف ، هي فرصة للاستسلام لملك النوم والأحلام ، لأن بانتظاري الكثير من العمل في الأيام الأربعة القادمة ، مباشرة اتجهت للحمام وأخذت حماماً ساخناً شعرت بعده بالارتخاء التام .
خرجت منه مباشرة للسرير، رميت بجسدي المرتخي فوقه، وأسلمت جسدي وروحي لملك النوم بعد أن قرأت آية الكرسي والمعوذات ورحت في نوم عميق ، فاتتني صلاة الجمعة والعصر والمغرب ، ولما استيقظت من النوم توضأت وأسرعت إلى مسجد الحبيب قضيت الصلوات التي فاتتني وانتظرت صلاة العشاء وما أن أنهيناها حتى طلبت من أبي يونس أن يرافقني برحلة داخل المدينة ، كان مشروع توسعة الحرم النبوي في بدايته ولم يكن يبعد عن موقف الحافلات إلا أمتاراً قليلة، تفقدته في نظري ، لم أرَ إلا الأنوار المتناثرة بشكل شاعري، لم أستطع تمييز الأشياء إلا أن لجانبي الأيمن المسجد النبوي وأنا الآن في ساحة المحكمة.
– أبو يونس سأذهب للسوق للتعرف عليه هل ترافقني؟
– نعم .
-هيا.
نهضنا وسرنا باتجاهه ، يا إلهي !! أين مدينتي الحبيبة من هذا ؟ أين زقاق وحواري عمان من هذا الترتيب الرائع؟ أسواق هنا تعني أسواق، ولا يوجد مساكن أو عائلات ، لكن فوضى عمان وشقيقاتها الأردنيات تبقى الأجمل ، الصخب في عمان يمنح القادم الحياة ، والهدوء في طيبة يمنحك القدرة على التأمل والتمعن في الأشياء ، عمان تمنحك الشعر والإبداع ، الهدوء في مدينة الحبيب ومسكنه تمنحك الدفء والحب ، مقهى السنترال في شارع السلط يمنحك القدرة على اكتشاف حيوات أكثر ، ويرسلك إلى ثقافات متعددة ، ولا مقاهي في المدينة المنورة ، أيهما أحب إلى قلبي يثرب أم عمان ، أقسم أن طيبة حبيبة، طيبة الأنثى الرشيقة التي تغوي القادم إليها بالبقاء وتراوده عن نفسها لتنسيه ما يحب في ديرته، وهي قادرة على ذلك لما تتمتع به من صفات ومزايا ، الدين فيها والإنسان الأحب لكل من نطق بلا إله إلا الله ، فيها عودة الإنسان لنفسه وتعايشه مع الآخرة،هنا يبقى الحلم بمرافقة الشفيع في جنان الله في اليوم الذي لا ينتهي .. يوم الخلود .