كتبتُ رسائلَ كثيرة ،
تركتُ بعضها على حجرٍ يركل حجراً
وبعضها على ظهرِ الذاكرة
كتبتُ لأمي عمّا تبقى من كأسِ الحليبِ الذي لم أشربه
وعن بقيةِ الماء من عينيها حين أبتعد ،
كتبتُ لأبي،
كيف تصبحُ صدىً عائداً من كل شيء نردده بلا خوف ؟
كتبتُ لأختي
لأخي ،
كتبتُ للطفلةِ التي سحبَت فستاني واختبأت ،
كتبتُ لشابٍ أوقفُه العمر وألقى به
على صدرِ السماء،
كتبتُ لطفلي الذي سيحملُ اسم أبيه الذي لا أعلم عنه شيئاً سوى أنه سيحاولُ مبتسماً ،
ولطفلتي التي ستكسرُ “الجرةَ” آلاف المراتِ لتحملَ ملامحي وتحملني،
كتبتُ للبحرِ
للجبل
كتبتُ للموسيقى
للأغاني
للسببِ الأول وللنتيجةِ الأخيرة،
كتبتُ للجيرانِ كثيراً
للإزعاج
وللصوتِ
كتبتُ للعابرين للقادمين ،
للذين لا يعرفون وللذين عرفُوا ورحلوا،
كتبتُ لي مراتٍ
وحين شعرتُ أنني وحيدةٌ في غابةٍ أشعلت الرسائلَ تحت شجرة وألقيتُ إصبعي في النار وجلستُ أنتظرها ،
أنتظرُ الدفء
والنور .
كانت العودةُ منك أمراً متعباً
أشبه بأنْ أقفَ في المنتصف
أمامي مقبرة تمتلئ بجثثٍ أعرفها
وجثث أشتمّها فقط
وذئب يعوي كلما التفتُ إلى الوراءِ ،
كانت العودة منك مخيفةً
كأن اقرأ اسمك بين الجثث ولا أبكي .
للواقع بابُ كبير
هناك الكثير من الأحرفِ التي حاولتُ جمعها في جملة
وسطر
قرأت أرقاماً وأنفاساً مبعثرة،
أتفقُ معك أن بابَه غريبٌ
وبأننا لن نستطيع الدخولَ منه ،
لكن لو فكرنا قليلاً سنجدُ أنه قديمٌ حقاً
ومكسور من الماضي
الذي يطرقُه بقوة ولا يدخل !.
جسدي ورقة فارغة،
عرفتُ رجلاً حاول الرسم لكنه نسي الألوان في درجٍ قديم،
نسي كيف يلون الرجل جسداً لأمرأة تحبه بلا ألوان !
عرفتُ رجلاً كان يخاف النساء كثيراً ويخاف الحلم مع امرأة تضيع الحلم كل خطوة
عرفتُ رجلاً رتّب أيامه على جسدي وأتلفَ ذاكرته بعدها ،
حتى عندما التقيتُه العام الماضي قال :
ما هذه الضرباتُ العشرون على ظهرك ؟
ناسياً أنه ألقاها بحذر .
جسدي شارعٌ فارغٌ
يخلو من الدعساتِ
يخلو من الصباحات والمساءات حتى من غروب الشمس،
يخلو من ضوءِ القمر
ومن عاشقٍ ينتظر فتاتَه خلف الجدار ليقبلَ الجدار على صدرها،
جسدي شارع فارغٌ
ليس فيه سيارات وأصوات أطفالٍ تركضُ وتختبئ
يخلو من أحاديث النساء
وتمتماتِ الفتيات على شرفاتهنّ
يخلو من غضب الرجال
ومن تعبهم .
يخلو من عجوزٍ وعمرٍ
جسدي غرفةً مظلمة ،
لكنني عندما أحببتُك .. أيقظني صوتَك وصرت كلما سمعتُك امرأةً تفتحُ النافذةَ على الغرفةِ لتدخلَ الشمس .