حين يأتي الألم من المأوى/ بقلم د. عبدالقوي القدسي

يمرّ الإنسان بلحظات انكسار لا يُحدث بها أحدًا،
ليس لأن الوجع غريب، بل لأنه مألوف، جاء من حيث ظنّ الأمان.
من أقرب الناس، من أولئك الذين حسبهم ملاذًا،
فإذا بهم يُشعلون نارًا خفيّة في صدره،
نارًا لا تُرى… لكنه يكتوي بها كل يوم.

ويظلّ السؤال يتردد:
ما الذي تغيّر؟
لماذا لا نعيش ببساطة، رغم وفرة النِعم؟
لماذا لا نفرح بعطاء الله، ونوقن أن المنع في طيّاته حكمة خفيّة؟

نُحسن الظن، نأخذ بالأسباب، نخطط، ونسعى…
فهذا هو العقل، وهذا هو مقتضى الشرع.
لكن حين تشتد الكُرب، نغفل أحيانًا عن مسبب الأسباب،
ننسى رحمته، ونتعجّل حكمته، ونرهق قلوبنا بانتظار الإجابات.

وقد نكون على وفاقٍ مع أنفسنا، في سلامٍ مع من نُحب،
ثم فجأة…
تتبدّل الملامح، وتتبعثر الكلمات،
ويتحوّل الصفاء إلى ساحة صراع،
كأن شيئًا مجهولًا كسر ذلك الانسجام.

وتبقى الزفرات رفيقة الطريق،
تُلاحقنا في محطات الألم،
تُقصي النوم عن أعين المتعبين،
في حين تتراكم الأسئلة دون أجوبة:
لماذا يُهدم المأوى؟
ولماذا تُقطع الشجرة التي كانت ظلًا في قيظ الحياة؟

أين الحكمة؟ أين التوازن؟
ألا يجدر بنا أن نُبصر بعين الرحمة، أن نوازن بين المنفعة والمفسدة؟
أن نرى ما لنا وما علينا، قبل أن نُطلق أحكامًا تجرح ولا تداوي؟

آه… وألف آه…
كم من قلبٍ أراد أن يُسعد غيره،
أن يكون لهم سندًا، راحةً، وطنًا…
لكن حين تعصف بهم أوجاعهم، ينسفون كل شيء،
ويهدمون الجسور التي بُنيت بالحب،
ثم يأخذون من أحبّهم إلى جحيمٍ لا ذنب له فيه…
بلا قصد؟ ربما… ولكن هل يغيّر ذلك شيئًا؟

ويبقى القلب الصامت،
يتألم في هدوء،
ويهمس في عمق اليقين:
“فصبرٌ جميل، والله المستعان على ما تصفون.”

ورغم كل ذلك،
نختار أن نعذرهم، لا ضعفًا… بل وفاءً للمودة.
لأن الحب الصادق لا يهدم الجسور مهما اشتدّت العواصف، بل يُحكم بنيانها بالصبر والرحمة.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!