يتشاءمُ الكثير من الموت، يعتبرونه انتهاك صارخ على حقهم في العيش، حقهم في الحياة التي تأخذ كل شيء، ولا تعطي إلا القليل، لماذا نِقمَتهم على الموت هذا القدرُ الجميلُ؟! مع أنه النهاية السعيدة للرحلة شاقة ممتلئة بسموم العالمين _ لَمْ يدرك هؤلاء أن الموتَ مُخلِّصُ أبدانٍ من أرواحٍ شريرة، أو مخلصُ أرواحٍ من أبدانٍ منهكة، حقا هو مُخلِّص الكثير… ومع ذلك يبقى الموت البقعة المظلمة خلف هذه النيران التي تلتهم كل شيء جميل، وبما أننا لا نستطيع تصوره أو إدراكه، فهي فرصة أن نموت؛ لنتجاوز هذا العالم الفاشي المحترق، ونقبع في بقعة هي أجمل بكثير من كومة الرماد هذه، بقعة لا تطالها أيدي البشر.
في الموت سيجد المرء خصوصيته، حريته، راحته، حقه في الكلام، حقه في الشكوى، والدفاع عن نفسه. في الموت لن تُنسب إليه تهم لم يرتكبها، لن تصادر ممتلكاته، لن يهجَّر قسرا، لن يتجرأ عليه أحد، بل يتساوى الجميع، يكفي أن كل امرءٍ سينال جزاءه العادل.
إذن هي فرصة أن نموت بلا خوف ولا قلق مما ينتظرنا، فلا أظن أن هناك عذابات أشد من عذابات أهل الأرضِ.