نكايةً بالليلِ أخلعُ قمصانَ حيائي
أرفعُ أكفَّ قمصاني عالياً
امتشقُ صهوةَ خِبائي
أُباهي بطولكِ نفسي
ليتَ لي بمكائدَ النساءِ
لا عُذرَ لي إن فعلتُ هذا لكن متى كانَ لقميصِكِ سترُ، حياء …؟!
يا شُحَّ تصبُّري عن وجدِ لهفةٍ
للشَّوقِ همهمةٌ عشواءُ
وما أنا بسابقٍ للدُنا حيثُ العناء
لفلسفةِ القميص شِرعةٌ كبرى وكأنها تهابُ قُدَ دُبرٍ
ذات صباحٍ … ذات مساء
يا حادي الرُّوح….
عرّج حيثُ فتائلَ عطرِها
انتشِ حدَّ الثمالة بسُكرِ خمرةِ الأثداءِ
واعتصرْ جُلنار رماناتها ولا ترفقْ
ليسَ للرِّفق موضعٌ حيث قيام قيامةِ حُلمة الماء
لا ذنبَ للقمصانِ حين تكوُّرِها
(يدان)
حوقلتُ ولم أستعذ
بسملتُ ..
فرّت كعادتِها نقطةُ الباءِ
هللّتُ
زرُّ القميصِ أبى انفكاكاً
قطّعتُ ..
خيوطَ تصبُّري كذبةٌ بلهاء
لا لومَ على زهرةٍ
حين بلَّ الندى صدأَ مقابضَ الرَّمضاء ِ
وما زلتُ بفحوى القميصِ أزهو
زهوَ السنابلَ في موسمِ العطاء
المنجلُ يقسو عليها فتنحني كبرةً وخُيلاء
من أجل قميصكِ هذا تركتُ العمر خلفي وهجرتُ حرفي
طلّقتُ من بعدهِ النساء
يا قميصاً
سرُّ تيهي .. سرُّ جنوني، منتهى الخيلاء
كم ارتديتهُ في خيالي وكم عانقتهُ محموماً باشتهاءِ
أدخلني جنّةَ خُلدك
أخرجني من جنّةِ الشُعَراء
وكم كنتُ في حضرة الليل
أتلو آياتٍ من نفحةِ القُمصان
أيَّ عطرٍ من أردانِهِ يسري في حنايا مسرّاتي
يغازلُ وشوشةَ الأشياء
يسابقُني..أُلاحقُهُ
يلحقُني .. أسابقُه
كأننا نعيدُها ثانيةً، داحسُ والغبراءُ
أكان لقميصكِ سيوفٌ لا أراها
تُشهرُ في الليلةِ الظلماءَ..؟
تُرى
كم معتركٍ بين الأناملِ والأزرارِ …!!
عصيّةُ البوحِ تأبى التثقُّلَ عنفواناً و إباءَ
مهابةٌ كبرى تتماسكُ بغفوةِ دهشةٍ
كأن بها حبلُ مشيمٍ يتغذى من سُرّةٍ بيضاء..!
وتُعيبني بذاتِ القميصِ أيّاهُ
بشكلهِ .. بلونهِ ..
بثقلهِ .. بعطرهِ ..
ربّاهُ رُحماك ربّاهُ
أيَّ نظرةٍ هذه وازدراء ُ
ما ذنبُ الربيع بتساقطِ أوراقِ المُنى قبل مواسمَ الشتاء
أليس بعد السقوط خضرةٌ ونماءُ ..؟؟
ما كان عيبُ القميصِ حين تكوَّرَ محموماً بساخنِ الماء.
آه
يا ذلّةَ القمصانِ حين التفافِ السَّاقِ بالسَّاق
تُرمى عُسافاً وتُجَرُ بازدراء
تنوحُ على الأسرّةِ خيبتُها بصمتٍ
كأنها لم تكن فيضَ رؤيا ذاتَ سِقاء
كأن العطشَ لم يكوِ سُرَّتها ذات صبحٍ ذات مساء..!
أتممتُ عشراً والمسيرُ طويلٌ جداً
أنّى لي حبرٌ يكفي
لأتمِّمَ حياكةَ قُمصانِك السوداءَ …؟
مغزلٌ يغوصُ في مِحبَرةِ الوردِ
يتشرنقُ صاغراً يأبى انفكاكاً
شباكُ صيدٍ حيكتْ على عنقِ ظباء
يأسرُها الخيطُ وتحدو بقافلةِ حتفِها
آه من ختمٍ فُضَّ بإمضاء
٢
هذه الليلة…
سأجلسُ مع قميصِكِ على سريرٍ واحد ٍ
سنشربُ عصيرَ القصبِ المثلَّجِ معاً وأخبرُهُ عن كلِّ شيءٍ..
عن أصابعي المرتعشةِ كلَّما همَمتُ أن أدسَّها بين طياتِهِ…
عن الخلافاتِ التي خضتُها مراراً وتكراراً بين أكونُ أو لا أكونُ …
سأخبرُهُ عن بخلِكِ المتكرِّرِ كلَّما شعرتِ باقترابي منكِ…
سأحكي له حكايا العطورِ والألوانِ التي أصبغُ بها سُحنتي قبل قدومِكِ نحوي
أقفُ على مقرُبةٍ من الحلمِ بمسافةِ شبرين أو أكثرَ
أتناوَلُ فرشاةَ الأسنانِ، أرسمُ جسداً قمحياً بقميصٍ أبيض َ
ارسمُ على مقربةٍ منه ساعةً رمليَّةً يقفُ جانبها رجلٌ وحيدٌ مثلي
أرسمُ ظلاً لي ..أحيطنا بدائرةٍ سوداء َ
ثم أرسمُ عربةً للموسيقى فينتشي القميصُ ويغادرُني
أركضُ خلفَهُ حيث الأبوابِ الموصدةِ فيحلِّقُ حيث النوافذَ
يلحقُه سربٌ من الفراشاتِ … يصيرُ غيمةً
أعودُ ثانيةً لفرشاةِ الأسنانِ أرسمُ قارورةَ عطرٍ مشظّاةٍ
أدوسُ على نثارِها …تغرقُ الفرشاةُ بالدَّم ِ
فأرسمُ قميصاً أحمرَ
لغةُ القميصِ تكتبُ الأبجديَّة َ
تُرضِعُ القواميسَ لبنَ المعاني ينتشي حبواً حتى آخرَ قطافٍ..
الشيخُ المخصيُّ يأتزرُ بعمامَةٍ ليشذّبَ جدائلَ الوقتِ
الشيخُ المخصيّ يعتصرُ أثداءَ النورِ ليقطعَها عند الفجرِ السيّافُ
هذه المرّةُ لم أكنْ وحدي
الشيخُ ..السّاحرُ .. السيّاف
جدائِلُكِ، قميصُكِ، العرّافُ
وسباقٌ محمومٌ حيث حلباتِ الذِّكرى
نسقطُ جميعاً في بئرِ الصَّحوِ الملتاثِ ..
ترقبنا عينا أنثى القميصِ المنزوعِ الأكتافِ..!
عرباتُ الليلِ المنسيَّةِ تجرُّها عرباتُ خيولِ الذكرياتِ
تغوصُ برملِ السّاعاتِ الصخريَّةِ
أقفُ حيثُ أنا… بين أجداثِ الحالِ العابرةِ
أمشطُ شعرَ القنافذَ بأصابعَ خشبيَّةٍ
أدرِّبُ أجنحةَ الطيرانِ لدببةِ الثلوجِ القطبيَّةِ
أفكُّ جدائلَ أحجيةِ المجازِ
أقلِّمُ مخالبَ الضِّباعِ في غاباتِ الجوعِ الوحشيَّةِ
أتسكَّعُ بين فراغاتِ الأصابع
أدوِّنُ خيطَ اللحنِ الفكريِّ في رباباتِ البدوِ المنسيٍَةِ
أرتُقُ قطعَ الغيمِ بخيوطِ شبكةِ النِّتِ العنكبوتية
أفعلُ كلَّ هذا … لكن
لم اقوَ على فكِّ أزرارِ قميصِكِ الفضيَّةِ
٣
ذات مساءٍ جنوبيٍّ…
عدتُ مسرعاً أحثُّ الخُطى
اتعثَّرُ بخطواتي عند عتبةِ الباب ِ
تسابقُني اللهفاتُ والشهقاتُ وأنا أفتِّشُ هنا وهناك
أين قميصي الذي نزعتُهُ ليلَ البارحةِ وعلّقتُه حيث مشجبِ الاحلامِ
أمِّي أشارتْ لي…ذاك هو المعلّقُ على حبلِ الغسيلِ
رحتُ إليه أركضُ..وجدتُه يقطرُ رسائلي دمعةً..دمعةً
أدخلُ في متاهاتِ الدُّروبِ الكبرى علَّني أخرجُ من أنفاقِ العِهنِ المنفوشِ
وسائدُ الرِّيحِ المحشوَّةِ بريشِ الغيمِ تحلِّقُ عالياً بأجنحةِ الصَّافاتِ ..
وتستقطرُ دمعَ الكُحلِ في عيونِ النّاياتِ
تعوي بي ريحُ الغاباتِ القطبيَّةِ علَّها توقظُ آخرَ قطرةِ زيتٍ في فوانيسَ الأكواخِ المنسيَّةِ
كتفُ الذِّكرى المتآكلِ بحوافِ ياقاتِ القمصانِ المالحةِ
تعلِنُ عن قيامِ ثورةٍ كبرى للقمصانِ الورديَّةِ على سبُّورةِ الليلِ
الطباشيرُ السوداءُ تكتبُ
( اخلعْ قميصَكَ .. ارتدِ وطناً )
أتسلَّلُ خلسةً من خرمٍ في ذاكرتي
أرقبُ طفحَ الدوائرَ البيضاءَ وهي تفوحُ بعبقِ الصابونِ
تمتصُّ آخرَ رغواتِ العمرِ المُضنيِّ
أبصرُ من خلفِ زجاجِ الذَّاتِ بخارَ ماءٍ يتكاثفُ سحباً بيضاءَ
وقعُ أقدامِكِ يهزُّ جذعَ مسرتي فيرتدّ طرفي
أهربُ كهرٍّ طريدٍ وأختبيءُ بين طياتِ فستانكِ المعلّقِ في مشاجبَ خزانةِ ذاكرتي
هذا القميصُ الأبيضُ ذو الأكمامِ القصيرةِ يتصدَّرُ قائمةَ جدولِ أعمالِ مخيلتي… لا ينافسُهُ إلاَّ ذاك الفيروزيِّ الذي تُصرينَ على ارتدائهِ كلَّما لاحتْ عن بعدٍ مراكبُ أشرعتي
اختلاطُ العطورِ بحدَّتها وقساوتِها تزاحمُ أنفاسي وتداعبُ شعيراتها
فأغدو بنوبة عطاسٍ كبرى..أكتمُها… فتفضحينَ سرّي وخيفتي..
ليلُ البارحةِ لم يكنْ ليلاً عادياً …
فقد أشارتْ صحفُ الصَّباحِ وكذلك في نشرةِ أخبارِ السادسةِ أنه شوهِدَ قميصٌ فضيٌّ يسبحُ في الهواءِ
يلتفُّ على أسلاكِ التيّارِ مما تسبَّبَ في انقطاعهِ في مدنٍ كثيرةٍ
شوهِدَ القميصُ فاتحاً زرَّهُ العلويّ ويتسكَّعُ بين الطرقاتِ
ما زالتْ دوائرُ الصَّحةِ لم تُعلمنا عددَ الضحايا
شبكاتُ التواصلِ وبرامجُ السناب شات وآخر المنشوراتِ كانت جميعُها تُشيرُ وبفلاترَ كونيةٍ لفتياتٍ يرتدينَ شيئاً شبيهاً لهذا القميصِ
ولتفاقمِ الأمرِ أوقفتْ المحاكِمُ المدنيَّةُ عملَها بسببِ تفاقمِ حالاتِ الطَّلاقِ التي انتشرتْ بسرعةِ البرقِ حينما شاهدَ الجميعُ هذا القميصَ …
الأنكى من هذا وذاك ..أصدرَ مفتي الدِّيارِ بحُرمةِ ارتداءِ القمصانِ الفضيَّةِ
وهذا أحزنني جداً حينما شاهدتُ شيخَ الجامعِ مطرقاً يفركُ خرزاتِ مسبحتهِ التي كانت حباتُها أزرارَ هذا القميصِ
٤
البحّارةُ التائهون في عرضِ البحرِ ..
فوانيسُ الفناراتِ ..
القوافلُ التي ضلّت طريقَها والدعواتُ التي لم تهتدِ..
سنابلُ القمحِ الفارغةِ..
مراكزُ العقمِ و مصحّاتُ المجانين..
بنوكُ التَّسليفِ ومكاتبُ الهجرةِ والمهجّرين ..
خيامُ النّازحين ..
شعاراتُ الثُّوارِ في ساحةِ التحريرِ..
قدورُ الجياعِ الصَّارخةِ ..
حجرُ الرَّحى وطواحينُ الهواءِ وثقوبُ الناياتِ ..
عويلُ الثَّكالى ..أحجيةُ المجازِ ..طلاسمُ السِّحرِ
(جميعُها ) كانت تهذي بياقةِ قميصِكِ الفاتنة.ِ.ِ.!