خافي عليَّ أن تتخطّفني المهاوي السحيقة لحظة غيابك، أن تموج بي دهاليز الحنين ساحقًة عظامي، بأقلِ من لحظةِ واحدة قبل أن تُغادري منّي، تكون قد شاختْ معالمي الخضراء، ونامتْ على كتفي سماوات تعيسة، فكّري بصبيانيتي اللطيفة وكيف سيدفعها العمر للشيخوخة، أن أصير بلدًا مهجورًا، منذورًا للجماد، أن تُداهمني أجندة الحنين، وأصبح محتلًا محاصرًا بأشباح الجفاء، أن يُصيّرني رحيلكِ ناسكٌ يبتغي رحمة مجيئك.
دون أيّة وسيلة تحتاجينها لمعرفة كم أحبك، أطيلي النظر فيَّ، هل أبدو لكِ سافلًا لا يُحبك؟
هل لا أبدو لكِ مثل حريقٍ طائش يلتهم في كل اتجاه!
لقد حوّلني حبكِ إلى عربيدٍ مستعصي، يرفضُ أفول وجهكِ عن عينيه، ينتفض خلف قرع قدميكِ إذ تذهبين، مثل ثوبٍ تعبث به الريح مثبّتًا بمسمارٍ في جدارٍ خشن.
ضحكتكِ التي تجعلني أنهمر بغزارة، نظرتكِ التي تُميط عنّي وحشة الحياة، صوتكِ الذي يُنعش ظمور أحشائي، احتضانكِ لي وأنتِ تلبين تضرعّاتي الكسيرة..
امنحيني بقاءُكِ تبريرًا لغاية الوجود، وقتما تكونين عندي، وأتحدث معكِ بدون قلقٍ على غيابك، مثل عبدٍ يعبر الصراط آمنًا بعدم سقوطه في النار..
من تلافيف روحكِ أقتبس نعيمي، أهرب من كُل الكون، وأحب حالتكِ الأنثوية المُسترخية بتناغم حين التأمُّل فيها، لكن حسنكِ بعيدًا عن الكُلفة يأخذني في متاهاتِ اللاوعي، مثل رائد فضاء يعوم في سديم سماوي، يُحررني من قيودي، يفتح لي آفاق لا محدودة لعبادة الله، أن أتفكر في أجمل مخلوقاته، أتمخطر بهوسي في فضاءات وجهك، أتسلل إلى الجنة لحظة تأمُّلكِ، أسطو على خزائن الحوريات في خديكِ..
كيف سأصير إن غادرتيني؟!
لن تكف تنانين غيابكِ في صدري على افتعال الحرائق، ستندلع الجحيم في روحي، سأسقط في قاعِ الهاوية، سأفقد اتصالي بالعوالم المقدّسة، سيخنقني نَفَسي الجاف، ستتصفد ملائكة العشق بداخلي، وأغدو مُكثّفًا بقتلى أرواحي، سيتسرب من مسامات جلدي العظم واللحم…!
بمجرّد التفكير في أنّني من دونكِ وحيد، أشعر بيُتمٍ مرعب، مثل كوكبٍ لفظته المجرة خارج مساره الكوني، رحيلكِ يغدو كارثة كونية تهدد حياة الكثيرين منّي.