خطوة واحدة قد تكفي/بقلم: إبراهيم العبسي

إهداء:
إلى زوجتي: نهلة.
من تغسلني بصبرها،
وترمّمني في كل انكسار.

كان المطر ينهمر، يطرق زجاج نوافذي بحزنٍ خافت،
غرفتي تسبح في عتمةٍ كثيفة،
والغيوم في الخارج تحوم فوق المدينة،
كما يحوم الحزن في داخلي.

كنت أعاني من حزنٍ غامض، لا يطلب الإذن، يتسلّل بهدوء إلى داخلي دون سبب.

لا رغبة لي في النهوض،
ولا في الحديث،
ولا حتى في مواجهة الضوء.
كحمامةٍ ملتصقة بعشها،
يأتيني هذا الشعور بين الفينة والأخرى، كضيفٍ ثقيل.

أريد فقط أن أبقى في سريري،
أغوص في صفحاتٍ لا تنتهي،
كأنني أبحث عن نفسي بين السطور،
أعاقبها على ذنبٍ لم ترتكبه.

كأنني أبحث عن إجابة،
ولا أجد سوى مزيد من الأسئلة.

ورغم توسلات زوجتي:
“انتبه على نفسك… لقد أرهقت عينيك.”
ورغم الطعام الذي تعدّه بحب،
لا رغبة لي فيه.
ورغم القلق الذي يسكن عينيها،
ورغم سؤالها المتكرر،
الذي يتسلّل إليّ كهمسٍ حنون:
“ما بك؟ لماذا؟”

أحدق إلى الفراغ…
وأهرب من الإجابة،
وأصمت…
كأن الكلمات هجرتني،
كطفلٍ لا يستطيع الحديث.

كنت لا ألوي على شيء،
سوى على نظرة القلق في عينيها.

تمرّ اللحظات ببطء،
عقارب الساعة توقفت عن الدوران.
أراقب ظلي،
لعلّه يتحرّك… لكنه كما هو،
ساكنٌ مثلي، كأننا ننتظر شيئًا يحملنا معًا.

نعيش كظلالٍ عابرة…
تحمل ملامح بشر،
نبحث عمّن يربّت على أكتافنا.
علّنا نجده قريبا،

وفي لحظة صمت،
بين صوت المطر، وهمس الريح،
شعرت بشيء صغير يحبُو داخلي…
يتسلّل من العتمة، لينتشلني.

فقلت لنفسي:

> طالما ما زال هناك ربيع،
> لن أحزن.
> ستعود الشمس لتشرق من جديد،
> ولو ابتلع الليل الحالك كل شيء.

> طالما ما زالت هناك الحياة،
> لن أحزن.
> حتى لو غُصت في الصحراء الشاسعة…
> خضراء. ما زال هناك أملٌ لوجود واحة.

> طالما ما زال هناك غد،
> لن أحزن.
> فسيذوب جليد الشتاء رويدًا رويدًا في النهاية…(*)

فكّرت أن أقوم، لا لأني بخير،
بل لأني أريد أن أبدأ من جديد،
ولو بخطوة واحدة… قد تكفي الآن.

أن أنهض لمن أحب،
لمن ينتظرني بصبر،
لمن يرى فيّ ما لا أراه في نفسي.

ربما لن أشفى اليوم،
لكنني سأحاول أن أفتح النافذة،
لأدع بعض الضوء يتسلّل إلى داخلي.

نظرت إلى الساعة،
بدأت عقاربها تتحرّك للأمام،
وكذلك ظلي…

————————————–
() الأبيات للشاعر الصيني *وانغ جوه جن.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!