مرحبًا سليم.
أنا دعاء، أنا تلك الغيمةُ المحمّلةُ بالدعاءِ، وما زلتُ أحملُ لكَ الغيماتِ الماطرةَ بالدعاء…
اللَّهُمَّ مُحوّلَ الصّمتِ إلى معنى والحديثِ إلى دليل، أوصِلْ إليهِ عظيمَ دعائي، وشعورَ كلماتي.
أرسلُ لكَ رسالتي الممتلئة تساؤلاتٍ، وأنت تحمل الصمت الطويل، لن تجيبُني بعد اليوم!
بكيتُكَ كثيرًا وبكَاك الجميع…
كيف حالُ صمتك؟!
ألمْ تشتَقْ للحروفِ التي غادرتَها خمسةَ أيامٍ على التوالي؟! الحروفُ تشتاقُ لكَ، والقصائدُ ترثيكَ، وصفحتك جنَّ عليها الظلامُ، ولم تعد تضيئُها أحرفُك…
هلّا أخبرتني من أين لكَ هذا الثباتُ وتلك القوّة؛ عندما كان الجميع يتساقط أمامك وجعًا، وأنتَ الممتدّ صلابةً؟!
وصلني خبرٌ بأنّكَ كنت مرفوعَ الهامةِ تمشي مبتسمًا، إصبعُك وحدها من تحدثَت مع اللهِ وأخبرَتْه بأنّكَ سليمٌ مَن سلَّم الأمرَ له…!
ما هو شعورك يا “سليم”، في تلك الليلة التي تعلم بأنّ الموت غدًا ينتظرُكَ، بل أقصد أنّ الحياةَ تنتظرُك، هناك في مكانٍ حيثُ لا للأحاديث الطويلة والشعور المُميت، حيث يكون لكَ جناحات من الحرّيّة تطيرُ بها في فراديسَ طمأنينتِك، مثلما قُلتَ.
– هل كان حزنًا على رحيلِكَ عنّا أم فرحًا بأنّك ستتحرَّرُ من قيودِ الزمنِ المقيت، من دُنيا البؤس؟!
كيف قادكَ قلبُك بتلك القوّةِ وأنتَ تمتدُّ وتكون سليمًا، وتُسلِّمُ جسدَكَ لمن لا يعرفُ هذا القلبَ الذي حملَ الحُبَّ، والجسد، الذي أبى إلّا أن يكون ثابتًا شامخًا كجبالِ “المحويت”؟!
كيف كان هذا الشعور وأنتَ تُدرك الآن أنّ الرصاصاتِ ستخترقُ قلبَكَ وتغادرُنا سليم الشعور؟!
لم تبكِ أنتَ! بل ابتسمتَ؛ لكن أُدرِكُ أنّ قلبَكَ بكى آلافَ المرّات، ونزفت الوجع دفعات ودفعات، ووصلتَ إليهم فارغًا من كلِّ وجعٍ مستسلمًا للطُّهرِ، للحياةِ مرّةً أخرى…
الليلة التالية وأنتَ لم تعُدْ تجيبنا، ولم تعُد تخبرُني بأنّكَ بخير جدًّا كما اعتدتها، هل كان القبرُ مُضيئًا، والترابُ حنونًا؟، هل رافقتكَ الملائكةُ وآنَسَتكَ؟!
وداعًا سليم، وداعًا، وإلى حياةٍ برزخيّةٍ عظيمة.
أن أقرأ لكِ بمعنى أن أزداد عطشاً لحرفك!