قبلةٌ لوجهِ الّله/ بقلم:حيدر غراس (العراق )

تعلمُ كثيراً أنّي لا أجيدُ كتابةَ الرسائلَ
وفي كل مرَّةّ توصلُها أكفُّ امّي
فهي توصِلُها إليكَ ساخنةً كأرغفةِ تنُّورِها المسجورِ ليلاً صباحاً
تُرسلها بدون فواصلَ أو فوارزَ وكلماتٍ
لكنَّ هذه المرَّةَ أستميحُكَِ عذرَ المذنبِِ المقصِّرِ الولهانِ
فأنا وإخوتي منذُ مدَّةٍ نقفُ على دِكَّةِ الوجعِ يشاركُنا كلَّ أولادِ الجيران ببجامتنا المقلَّمة وجوهُنا (الفالتة) كما تقول أمي،
لا مشاكلَ لدينا ياسيِّدي في الرؤيا فلا ضباباً يُذكرُ في مدنِنا الخاويةِ، فوجهُكِ يطلُّ علينا بإشراقةِ كلِّ صباحٍ حتى أن شمسَكِ هي من تكفَّلت  بقراءةِ تراتيلَ الحمد بحيّ على الفلاح.

ياسيِّدي الكريم
وبرجاءِ المطلوبيَّة  وبعيداً عن حذلقةِ وتشدقاتِ الكتَّابِ الكبارِ ووشوشاتِ المتصوِّفَةِ والعرفان، فنحن بسطاءُ جداً نتعلثمُ في إحضارِ المفرداتِ لنحتضر عند إطلاقها كبالونات العيد في الهواء،
ياسيدي من مثلي لايملكُ أدلةً قطعيَّةً ووثائقَ ثبوتيةً لكنك راسخٌ فينا أنا وإخوتي ببجاماتنا المقلَّمةِ
وَوجوهُنا الفالتةُ (ثبوت الأصابع من راحة اليد) فهذه كلماتُكِ تنبعثُ من مسجِّلةِ البيتِ كأنها أصابعٌ تلامسُ أجسادَنا تشعرُنا بدفءِ المواقدَ ليذوبَ الثلجُ حيث صنابيرَ البردِ والخيامِ
أمّي تقولُ: ليس بالضرورةِ أن نذهبَ إليك بثيابٍ جديدةٍ أو بربطةِ عنقٍ حمراءَ فهي تذهبُ كلَّ فجرٍ بكلِّ طينِها إليكَ ومرّاتٍ رأيتُها تنزعُ الشَّوكَ من أقدامِ أبي كلَّما عادَ من  الطِّين هناك،
اليومُ ياسيِّدي لا أشواكَ في أقدامِ أبي  ولاتملكُ أمّي من الطِّينِ شيئاً لتوصلَه إليكَ..
فيا تُرى هل تكفي بجاماتنا المقلَّمة ووجوهُنا الفالتةُ بالوصولِ إليكَ؟

ياسيِّدي منذ طفولتي وأنا ابحثُ عن وجوهِ الصّالحين الَّذين يردِّدُ ذكرهَم الخطيبُ على أعوادِ المنبرِ، أبحثُ عنهم لا لشيئٍ سوى أن أقبِّلُهم
واحداً واحداً
فقد أخبروني أن وجهَك شبيهٌ لهم لأكونَ أوَّل من قبَّلَ وجهَ الله ولكن يا سيدي مرَّت خمسون وأكثر لم أجدْ أحداً من هولاءِ
فهل أحتاجُ خمسين أخرى
أم أنَّ الصَّالحين لم يُخلقوا بعد؟

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!