قصيدة من أبعاد ضائعة/بقلم:حسين الأصهب

أحببتُكَ…
لا تسألِ القلبَ: كيفَ استوى عشقُهُ،
ولا متى خُطَّتْ أحلامُهُ فوقَ المدى.
أحببتُكَ…
كما يبتكرُ الندى رحيقَ البدءِ،
وكما يغزلُ الصبحُ من دموعِه نورًا.

أحببتُكَ…
حينَ انتكستْ أهدابُك،
وحينَ تموّجَ خطوكَ تعبًا،
وحينَ توجَّ الحزنُ جبينَك
كأنكَ ملكٌ فوقَ ممالكِ الأسى.

أحببتُكَ…
في شتاءِ العواصفِ،
وفي صيفِ الذبولِ،
وفي خريفِ الرؤى،
وحينَ جفَّتِ الأماني على أرصفةِ الغياب.

تمرُّ كظلِّ المسافرِ،
تذروكَ المسافاتُ،
ويهطلُ اسمُك مطرًا على أراضي دمي.

تغيّرتَ؟

لكَ أن تتبدّلَ مثلَ أزياءِ الفصول،
لكَ أن تذرعَ حقولَ النسيانِ،
وأن تتناسى عناوينَ يدي…
أما أنا…
فلا أبدّلُ ملامحَك،
ولا أفقهُ غيرَ لغةِ الوفاء.

أحببتُكَ…
حين انكسرت الأغاني على دروبِ الرحيل،
وحين جفَّتِ القصائدُ في دفاترِ المغنين،
وحينَ لبستَ الانكسارَ كوسامٍ لا يخفت.

يا أنتَ،
يا مَن تسكنُ روحي،
كتراتيلَ الحنينِ في كنائسِ الغياب…

أعطيتُكَ أيامي،
كما يسكبُ السحابُ ماءَه فوقَ مرافئِ الانتظار،
وكما تمنحُ الأمُّ صدرَها لطفلٍ لا يسأل.

تعالَ إليّ …
تعالَ كهمسِ السواقي في حقولِ الغربة،
تعالَ كوميضِ نجمةٍ خانت نومَ الليلِ واهتدتْ إليك.
تعالَ
باهتًا كنت أو مشعًّا،
ممزّقًا أو مكتملًا،
فكُلُّ تفاصيلِك عندي عيدٌ،
وكلُّ اضطرابِكَ موسيقى تفيض بها نياطُ القلب.

أحببتُكَ…
حينَ كتبتِ السّماءُ أولَ بيتٍ للحنين،
وحينَ خرَّ النجمُ تائبًا عند عتباتِ الدعاء.

أحببتُكَ…
حين تفجرتِ الينابيعُ من صدوعِ الأرواح،
وحين زرعنا الوردَ فوقَ جروحِ الرملِ،
وأوقدنا قناديلَ الانتظارِ على سفوحِ الغياب.
يا أنتَ…
يا أولَ السُحُبِ وآخرَ المطرِ،
يا زورقَ الوقتِ التائهِ بينَ مرافئِ الأمل،
ويا سؤالَ الحنينِ الذي لا يبحثُ عن جواب.

لم أحببكَ لأنكَ ضوءٌ، ولا لأنكَ ظلٌّ،
بل لأنكَ الأرضُ التي تنبتُ دهشةَ الحياةِ حينَ يلامسُها الأملُ،
ولأنكَ الغيمةُ التي تضلُّ السماءَ لكنها تظلُّها حبًّا.

أحببتُكَ…
كما تنزفُ الحروفُ فوقَ أوراقِ السكينةِ دونَ موعدٍ،
وكما تهربُ الأرواحُ من عباءةِ الزمنِ إلى حقولِ النقاء.

أيا قافيةَ الروحِ،
ويا نداءَ القصائدِ الظمأى
ويا قنديلَ الذكرى في ليالي التيه …

أحببتُكَ …
حينَ اشتبكتِ ملامحُ الكونِ برائحةِ خطاك
وحينَ بكتِ القناديلُ لفرحٍ مؤجل،
وحينَ تضرعَ الغيمُ شوقًا لملامسةِ ظلّك.
وفي سكونِ الليلِ
حينَ تتنازعُ النجماتُ أيُّها أولى لك
وحينَ يُسبِّحُ الرّملُ باسمك
كنتَ وحدكَ… ترتلُني قصيدةً بلا انتهاء.

تعالَ …
تعالَ كما تعودُ الأمواجُ إلى مرافيء الحنين،
تعالَ كما تزهرُ الصحارى فجأةً من قطرةِ مطرٍ.

تعالَ كما أنتَ،
مهمومًا أو مبتهجًا،
منهكًا أو ممتلئًا بالضوء…
ففي قلبي متّسعٌ
لضياءِ حضورك
لوشوشاتِ غيابك،
للعاصفةِ حينَ تحملُ اسمكَ،
وللغيمِ الذي ينتظرُ انحناءةَ يديكَ.

في قلبي متسعٌ …

لكَ أنتَ وحدكَ رواية لا تُختتم.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!