مابين الهدنة ومهادنة جوارح القلب…
راودتني نفسي أن أفتح مقبض باب غرفتي الأثيرة، التي تحوي مكتبتي المنتقاة بعناية، بعد ثمانٍ وأربعين يومًا من الإهمال والنسيان، لأكتشف بحُرقة، معاناة رفوفها المصابة بعدوى شلل تسببته أصابعي، التي اعتراها كَسَحًا، أتلفَ مرونة حركتها، لم أسمع سوى همهمات مبهمة المصدر، تُنشد الدفء، الأمان، والأكسجين…
لم أُبصر سوى أشلاء منهكة من كل الفئات العمرية، تناغي التاريخ ، تربعت معترضة فوق أكداسٍ من الورق المبعثر والدفاتر والكتب الضخمة الحجم، تبثُ في الغرفة أوجاعًا تمتد من الحائط إلى الحائط…
حاولتُ إلقاء السلام على رواياتي المفضّلة، لكنها اختفت، وسط استغرابي، من غلافها، معاتبةً تاركةً لي كمائن من كرامة، مطالبةً بالمزيد والمزيد من رباطة الجأش ورسوخ الذهن، وثباتِ الخطى.
تراجعتُ حزينةً عاجزةً، وقررت تجاوز المحنة، ربمّا أتصدق ببعض الحبر والعواطف الجيّاشة، والقليل من مؤن السطور الباهتة، علني أستطيع تتمة ما بدأت بهِ قبل أشهر ، من خطِّ رواية جديدة، تعلقتُ بها معانقةً شخصياتها بلهفة، في كلِّ صباح ومساء، كما هو عهدي مع ماسبق من أبطال رواياتي، وذلك في تمام ماقبل السابع من تشرين الأول لهذا العام ٢٠٢٣…!
هتفَ صوتي مناديًا أصدقائي المتخيليين الجدد، ارتحلت ذبذبات ضجيجي المصطنع في الفراغ، لم يبزغ سوى طيف لمقلةِ عين وتوّعد سبابة توحيد، نقشتا وعدًا بالفرج.
صفّق قلبي فرحًا ، لحظوة خصتني بها اللحظة.
تجاهلتُ مصير أبطال روايتي العتيدة، وكيف لا أفعل؟ وكل الروايات فاشلة، أمام روايةِ صدقٍ حفتها التضحية، والنخوة والشهامة.
اكتفيتُ…
رميتُ قلم الرصاص، فما عاد لصريرهِ غليانًا بأوردتي ، بل تمنى السمعُ بديلًا، صوت أزيز، لاتروم بعدها فكرة، ولا ينكص على عقبيهِ حرف، إلا خشوعًا في محرابِ ظفرٍ كامل.
خرجتُ مسرعةً من مكتبتي الخاصة، أوصدت الباب بهدوء المترقبِ، وأنا أتساءل:
من يعيد لي إنسياب قلمي على الورق وعافية أصابعي؟؟
من يبشّر ابتسامتي التي أفلت منذ مايقارب الشهر والنصف، بأن الهدنة سماحًا لموعدِ رجوعها؟؟
ومن يُخبر مقبض باب بيتي الذي مافُتِح إلا نادرًا ، أن وقف إطلاق الحمم، يمنحه أحقيةِ إشراع الأبواب؟؟
كيف أنجو من مصيدة الأرواح الصاعدة والدماء النقيّة المهدورة؟؟
هل استيقظ يوسف وصحبه؟؟
الإجابات معيبة، فنصف فوزٍ لايعنيني!
ولنتذكر معًا “أن غالبية الأوغاد يمتلكون ملامحًا مريحة”
لستُ بخير، لسنا كلنا بخير.
أجزم أننا بحاجة إلى أطباء مهرة، يمتهنون الجسارة والمروءة، والطب النفسي، لينتشلون مابقيّ منا، من ثبات الإدراك، وفتك الاكتشافات…
كلنا بحاجة إلى صلاة خاشعة في رحاب الأقصى.
كلنا بحاجة إلى انعتاقٍ تامٍ تام