لصحيفة آفاق حرة:
{{ مهلا يا أيلول لا ترحل}}
بقلم الشاعرة الأردنية
هناء عبدالله الطيبه
أهلا بك يا سبتمبر المحبين.
حللت اهلا ووطئت سهلا
يا أغلى ضيفا زارنا.
يا أيلول العشاق رفقا بنا
يا أجمل شهر بالسنة.
أتركني اركن هواجسي على سفوح شرفاتك.
سوف القي مشاعري المتمردة على ضفاف عنفوانك.
واريد ان أفرد اشرعة بوحي اليتيمة على سواحل الذكريات.
وما أقسى لحظات الغروب عندما تقترب عقارب الساعة عند مشارف النهاية.
وعندما يرخي الليل سدوله على أهدابي الذابلة
تتمرد المشاعر وتحتار النفس .
وعندما يأتي المساء يسود الهدوء بالمكان ويزول الضجيج من كل أرجاء الشوارع وينتشر على أنحاء الدجى صمت مريب.
وفي لحظات السكون أصاب برعشة تذبحني من الوريد إلى الوريد، ويخفق قلبي البريء في جنح الظلام.
وأسدل ستار المساء على جدران الأمس ليبقى في عتمة موحشة.
وينتابني شعور غريب يجعلني دوما ابقى أنتظر المجهول خلف ظلال السراب، وأراقب عن كثب وأتساءل ؟
ما القادم:
يا هل ترى؟
فأنا لم أعد أبالي لهذا الوجود.
فألفظ أنفاسي المتسربلة، وأجر أذيال الخيبة وأتنفس الصعداء وألتقط حبات اللؤلؤ التي تتناثر هنا وهناك بين مجرات الكون الزائفة، وتتبعثر في المدى البعيد لتتجاوز جيران القمر الحزين.
فلا شتاء ولا مطرا ولا غيثا يروي أرض أحلامنا بسلسبيل الحب.
وعندما تصفر أوراق الصفصاف، ويكسر سعف النخيل، ويجف لحاء الشجر، وتتساقط كل الأوراق المصفرة، وتتيبس الفروع وتذبل الزهور وتضمحل الأرض،
وتهاجر أسراب الطيور، ويجف الزنبق، وتنطفأ كل الأنوار والقناديل، وتغيب الشمس
ويخفت بريق النجوم، ويتلاشى ضوء القمر،
وترحل كل الأحلام وتسقط في حافة الهاوية،
وتضيع كل ملامح البهجة.
ويرمي أيلول البائس ما تبقى من ذكريات الأمس ويلقيها في
غياهب الجب.
حينها فقط سوف ترتدي الطبيعة ثوبا مختلفا ألوانه.
وسوف تكتسي التربة برداء غريب الشكل والملامح.
وسنراه بحلة جديدة لا تتشابه عما سبق،
وكأنها سنوات عجاف وسبع سنابل.
آه يا أيلول !؟
يا رحلة الشتاء والصيف.
كم أصبح كل شيء
مختلفا حتى بأدق التفاصيل.
وتتزاحم السماء بكتل الضباب المتراكمة لتغطي الفضاء بلون رمادي،
يأسرني خلف قضبان الخوف، ويحبسني بين أسوار الذعر.
ويبقيني سجينة في قفص الذكريات المؤلمة.
فلا أستطيع أن أكسر قيوده وأحطم أغلاله، وأفك أصفاده،
وأشعر دوما وكأنني إنسان مهمش.
ويسكن الوجع بالروح.
فهنالك بالأعماق شعور متهتك، ونفس كئيبة لا تبالي بشيء في الحياة.
ونظرات حزينة، وعيون باكية، وجراحات أدمت الفؤاد ولم تضمد بعد.
وهنالك حنين يشتعل بالوجدان، وأنين يتغلغل في الصدر.
وفي كل مساء نسرد الحكايات، ونحكي القصص.
قصص لا زالت عالقة في القلب ولن تبرح من مخيلتنا إلى أبعد الحدود. قصة (الشاطر حسن) و (ليلى والذئب)و قصة( علي بابا والأربعين حرامي)
وخيالات وخرافات وترهات عاشت معنا في عهد الطفولة ومنذ نعومة أظفارنا إلى غاية هذه اللحظة، وتصول وتجول في العقل أفكار مزدحمة، وتتدفق من بين الشفاه كلمات وعبارات، وتنساب همسات وتمتمات، وتترنح في ذاكرة المكان وتتراقص خجلا ذكريات تتأرجح بين شغاف القلوب.
وعندما تخطر على البال، نبتسم تارة، ونضحك تارة، ونبكي تارة أخرى، ونندم ونتحسر على عمر ولى وفات بلمح البصر، وضاع منا سدى بسرعة البرق، ولن يعود أبدا ؟؟؟
وعندما يجيئ الشتاء، نوقد المدافئ، ونغلق النوافذ، ونقفل الأبواب، ونرتدي المعاطف.
وبكل حرقة قلب نودع الأمس ونعيش اليوم ونستقبل الغد ، ونقف على أعتاب الشوق ونلقي أمنياتنا على قارعة الطريق.
ويقتل فينا الإنسان ذاك البرد القارص المتراكم على أرصفة الوحدة.
وتتصاعد في ذاك الفضاء البعيد سحابات الدخان الأسود، وتثور بالنفس عواصف هوجاء ، وتعصف بي رياح عاتية، تنقض على ما تبقى من أحلامي وتقتلها بدم بارد، ولا تبقي مني إلا بقية متبقية من حطام وركام لإنسان مهزوم عاد للتو من رحلة قاسية سرقت مني عمري، وتعثرت خطواتي في الدرب الطويل، وتضرم نيران اليأس في موطن أيامي، وتشعل أعواد ثقابها على ناصية حلمي البعيد الذي يتوارى خلف مستقبل مجهول الهوية.
ويزعجني بصراخ صاخب يدوي صداه بين حنايا الروح، وتعتصر لوعة المرار لواعج الذات،
وأهرب من واقعي الأليم وأذهب إلى منفى بعيد وإلى غربة قاسية يطول أمدها كلما تحركت عقارب ساعات الإنتظار.
فأصعب إنتظار هو : إنتظار من لا يأتي.
فكم وكم طالت دقائق الإنتظار على مشارف الزمان.
فمهلا علينا يا أيلول، وقبل أن تذهب وتشد الرحال وتحزم أمتعتك وتجمع حقائبك وتلملم ذكرياتك لترحل إلى الماضي البعيد.
أتركني أرتشف فنجان قهوتي بتأن، وأستعيد ذاتي ، ودعني أهمس بأذنك رسالة قصيرة، وأرجو منك أن تشنف
لها الآذان:
اريدك وقبل أن ترحل وقبل أن تلوح بيدك بالوداع الأخير، وقبل أن تغادر أرض جنوني أن تتمهل قليلا ولا تستعجل الرحيل، وأن لا تأخذ معك ما تبقى من ضحكاتي وبسماتي وذكرياتي،
كم أتمنى أن تركنها على جنب وأتركني أعيش معها إلى أن تعود مرة أخرى.
يا شهر الحب ونبيذ العشاق
وقبل أن ترحل سوف ألملم الورود وعناقيد البنفسج وأضعها بين الصفحات البالية في كتابي القديم على طاولتي المحطمة في حجرتي المظلمة ، لكي تشاهدها في العام القادم.
فأرجوك أن لا تتأخر ولا تغب طويلا ،
فحتما ستعود قريبا وترجع لنا
مرة أخرى
يا أيلول الحب.
……
كتب بتاريخ
١٧/٩/٢٠٢١