نحن نتعافى بالكتابة/بقلم:هيلانة الشيخ

أصغر حفيداتي كلما شعرت بالحزن، تجلب ورقةً وقلمًا وتكتب رسالةً لوالدتها:
“ماما سامحيني بحبك ماراح أعيدها تاني”
وأحيانًا تسجّل غضبها ودلالها:
“ماما أنتِ اشتريتِ لفاطمة لعبة وأنا لا، أعطيتِ حمزة قطعةً من الدجاج أكبر من قطعتي، أنتِ لا تحبيني وتحبين حمزة وفاطمة أكثر مني”.
هالة تستعيد ثقتها بنفسها من خلال ما تكتبه وتداوي وجع روحها ببضع كلمات!
لكننا نكبر وتصبح أوجاع الناس عبئًا نحمله، فوق أوجاعنا.
اعتزلتني الكتابة وصار يشقّ عليّ البوح من دون قلق، من دون خوف؛ تتربص داخلي كل الهواجس، لينتهي بي المطاف:
ماذا جنيت منها؟
وقد جَنَت عليّ جميع كتاباتي!
ثلاثون عامًا وأنا أكتب، أمارسها كفرضٍ يومي، أبذل لأجلها كل ما أملك، أمنحها الولاء والطاعة، ألبّي نداءها على حسابات جميع الأصوات المعترضة، أحارب كل من يعترض طريقها…وماذا بعد!
من أراد تحرير وطنٍ بالقلم لابد أن يكون غسّانًا كنفانيًا، من حاول تحرير سجينٍ لابد أن يكون عبد الرحمن منيف، من أراد تحرير العبودية ومحاربة العنصرية لابدّ أن يكون مارتن لوثر كينغ… فالثمن باهض جدًا وأنا لا أملكه.
لذا خدعت نفسي وخدعت من يقرأ لي:
هذا الهراء الذي أخطه ليس إلّا فراغًا موحشًا وعجزًا هرِم داخل أنوثةٍ خابعة، ليس إلا سخافاتٍ تتخبط بين الجهل والمعرفة، بين العهر والعربدة، بين الذلِ والانكسار وخيباتٍ عاطفيةٍ ساذجة… ولماذا أدوّنها اليوم تحديدًا؟!
اعترافًا بالفشل؟
انسحابًا بآخر ذرةِ كرامة؟
أم استعطافًا لمن يحتفظون بقليلٍ من الرحمة؟
اللعنة، كم هو حالٌ بائس يعاني منه الكاتب، ولا يدرك أنه يرتكب أبشع الجرائم كلما أمسك القلم.
القلم شرف لا يستحقه إلّا الأطفال.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!