أَرِّخُوا لِأَهْلِ غَزَّةَ/ بقلم:ماهر باكير دلاش

 

إِذا أَقبَلَ الصُبحُ وَلّى السُرورُ

وَإِن أَقبَلَ اللَيلُ وَلّى الرُقادُ

هذا حال أهل فلسطين بكل أطيافهم وأديانهم ومذاهبهم، هدموا كل المآذن، وقصفوا أجراس الكنائس؛ فالفلسطيني عندهم سواء مسلم ومسيحي، فهم ليس لهم إلا ولا ذمة أبدا، حربهم حقد والحاقد دوما يعيش النقص في حياته.

لسان طفل غزة يقول: أثخنتم فينا الجراح، وفي التّجنّي وسرقْتموني، وخنقتم بعضي، واختلستم ضياء عيني، واغتلتم أحلامي قبل جسدي حتى البنفسج انطفأ عجبا، وعافته السّواقي خمسة وسبعون عاما في الفراغ، ولا أريج ولا ترابْ. خمسون عاما تسرقني الغواية ثمّ يوقظني السّرابْ وطنٌ ولا وطن، ولا رايات ترفّ ونجوم كسرتْ سواريها، وألقاها الجنود على التّخومْ. ماذا تبقّى من بقايا ذلك الولد المقسّم بين أحلام المدائنْ؟ لم يبق ما أخشى عليه قد تسرّب خافقي مزقا وضاع الكلّ منّي!!

الكلمة الواحدة يقولها اثنان، أحدهما يريد بها حقيقة الشعور والآخر يريد قولها لكنه يصمت.. الاعتبار بطريقة القائل وسيرته. وأنا هنا سأقول: حربكم مع الكيان الصهيوني حرب عقيدة مع كل مسلم ومسيحي لإعادة بناء الهيكل المزعوم.

حمل الفلسطيني – مسلمه ومسيحيه – عبء الحياة الثقيل ولكنه يحمل عبء الآخرة الأثقل، ولأن الإنسان يؤمن أن لحظة الحرية الوحيدة لديه هي لحظة الحلم بالدفاع عن وطنه وحلمه والأهم إرضاء خالقه فقد ألغى شهوات دنياه من قاموسه واتبع عقله وواجباته..

الشاب الفلسطيني والغزي لم يجلس في مقهى مع جريدته كما نحن.. اختار ألا يجلس في الركن منسيا.. كل ما يهين مزاجه الصافي هو رؤية المحتل يصول ويجول في أرضه.. ولم يسمح لأحد أن يفكر في اغتيال أفكاره.. كم هو منسي وحر في خياله؟!

الطفل الفلسطيني لا يعرف اللعب ولا يجيده، والشاب منهم لا يعرف الوجبات السريعة، لا يعرف ما هو الهامبرغر ولا البيتزا ولا معنى كنتاكي.

فِي غَزَّة، هُنَاكَ

فِي مَقْهَى الْغَيَابِ

عَجُوزٌ تَتَأَمَّلُ وَجْهَهَا الْبَالِي

مُسِنٌّ يَسْأَلُ أَيْنَ الرِّفَاق

شَابٌّ يَتَعَطَّرَ بِحَنُوطِ الشَّهَادَةِ

صَبِيَّةٌ تَتَأَمَّلُ ثَوَبَ عُرْسِهَا

وَيَتِيمٌ يَسْأَلُ أَيْنَ أَبِي؟ 

ليس للعقل قلب، وليس للقلب عقل، لذلك عندما يتكلم المرء بعقلانية يبدو بلا قلب، وعندما يتحدث بقلبه يبدو أقل عقلانية؟! إلى أين يا صاح…؟! هذي الرمال تماهتْ مع الماء، لا أرض للمرهقين الجياع، فأين ستركز رمْح الجسدْ وأيّ التّلاع سترضى برأسٍ، تصدّع بالحلم والشّعر، حزْن الرّوايات، وهْج المهرطقين، فكر عصْرٍ، تردّى به العصْر حتّى اخضلال العيون، وأعْراه منْ ورْده والمددْ، أليست الحياة كالعواصف.. عند هبوبها تسقط الأوراق والاقنعة والضمائر.. تتفاجأ بحقائق لأول مرة تتعرف عليها.. وفي النهاية تكتشف أنك الرابح الوحيد.. ليست النهاية ولكنها البداية!!

إن الأيام والحوادث التي تصنع التاريخ انما هي نتاج الإنسان؛ فالإنسان ماض وحاضر ومستقبل.

لا شك أن النفس هي محور العلاقات البشرية ومحور وجود الإنسان الكوني.. والتعمق بها هو أولى المعرفيات الجبرية الضرورية لتهذيبها وهذا ما أتى به محمد وعيسى وموسى وكل الأنبياء – عليهم صلوات الله وسلامه- وتعمق في قلوب المؤمنين من أهلنا في فلسطين.. في شاب غزة، ودعا له وما زال يدعو له؛ فمنذ الأزل بينت الكتب السماوية وتوارثها المؤمنون أن بداخل الجسد الإنساني قوى تفوق الطبيعة دون أن يحددها إلى أن وجدوها روحا خفية هي أصل الحياة، فالطير يولد وهو مجبولٌ على الطيران، وكل مخلوق يدرك جِبلتّه ويمارسها إلا الصهاينة يريدون أن يكونوا كل شيء ويملكون كل شيء!

الإنسان الرائد السوي لا يكذب معتقده، ولا يتغير فكره مع المغريات، لا يتشوه نضجه مع الأحداث، ولا ينسى دينه الذي هو وطنه في الدنيا والآخرة، وأنا أعرف أنّ المسلم الحق وطني، والمسيحي الحق وطني، أوطانهم تسكنهم ولا تخطئهم، يعرفون أنّ الزّمن الجامح في الأحداق الغضْبى.. زمنهم.

لا زال الشعور بالعجز عن كتابة مضمون ما نشعر به يا سادة، عن شرح محتوى ما نعايشه والذي رفع السموات إنه لأمر جلل، لا ندري هل نحن مكتئبون أم سعداء، لا نستطيع تمييز شعورنا تجاه الأشياء حقاً، تبدو الأمور أمامنا على ما يرام، لكنها في الحقيقة عكس ذلك، شعور فائض بالخوف والملل والإرهاق، ارهاق من اللوم والعتاب لمن سمح بالتأريخ الملفق المكذوب، متعبون من الإجابات اللامنطقية والانتظار، ملل من الروتين وتكرار الأيام والنفاق والكذب وهزلية الأمور.

ما زلنا نعاني من تنشب نزاعات ثقافية، ولا زلنا نتخبط في مستنقع الخلافات العرقية ايضا بالرغم من توحدنا تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، جمعنا الإسلام والقرآن وهدي نبي الأنام، ودعا “إليه عيسى وموسى وكل الأنبياء صلوات الله عليهم”.

لسنا بحاجة الى مصادر قوة أخرى، ولا مؤرخين يكتبون ما يريدون، يزركشون ما يريدون ويعتمون مالا يريدون من تعبئة اللغة والدين والتاريخ وتوظيفها جميعا لتحقيق أغراض بعينها، ولكن نحن بحاجة الى المصادر الثقافية الثقة ذات الضمائر الحية، ليس من أجلها ولخاطرها هي بل من أجل العدل والانصاف؛ فأَرِّخُوا لِأَهْلِ غَزَّةَ.

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!