عندما يَتَلَبّسُني “الشّاعر”
أصير عصفورا
فأقف على حافّة نافذة حبيبتي
وأتلو ما تيسّر ممّا كتبه اللّه
من أغاني أنوثتها
أو أصير بندقيّة بين يَدَيْ ثائر
كما قد أصير أصابع من ضوءْ
تخلع العتمة عن جثّة هذا العالم المصلوب
وقد أصرُ، لبعض الوقت، “أنا”؛
“أنا” الذي كنتُ سأُشبهُني
لو أنّي امتلكتُ الجرأة على الخروج من تفاصيلي…
عندما يَتَلَبّسُني “الشّاعر”
أصير شجرة؛
شجرة تسكنها عائلة سناجبٍ
ودودة قزْ
وعصافير ثرثارة
أو أصير امرأة ترتّب مطبخها
وهي تكتب قصيدة عابرة
ستهديها لرجل عابر
قد يمرّ بها، على عجل، ذات مساء شتوي
ولن يكون لديها وقت كاف لتكتُبَهُ
لأنّه، في الغالب، سيمرّ بها
وقد نسي كلّ ملامحه لدى امرأة أخرى…
عندما يَتَلَبّسُني “الشّاعر”
أصير إلها صغيرا
يرعى غيمات بيضاء في حقول السّماء،
يعزِفُ نهرا،
يداعب شَعْرَ الغابة،
يقصّ الحكايات على قطط المدينة
وعلى كلابها الضّالّة
وفي آخر اليوم،
يعود إلى كوخ على هيئة شامة؛
شامة،
كراهب بوذيّ،
تمارس اليوغا على ضفّة سرّة امرأة جميلة.
أحيانا، أصير حانة؛
حانة يتبادل فيها رجال،
لا يعرفون بعضهم،
الشّتائم والأحزان وحتّى النّساء
وتتبادل فيها النّساء
الشّتائم والأحزان ووصفات التّجميل
ووصفات تحضير رجال أوفياء!
لكنّه قد يحدثُ أن أصير “أنا”!!
في الغالب،
لا يوجدُ وقتٌ محدّدٌ يَتَلَبّسُني فيه “الشّاعر”!
لا أغنية تجعله يتلبّسُني،
لا طقوس، لا قهوة و لا شاي
و لا حتّى مأدبة حزن أو قبلة من حبيبتي
يمكنهم أن يجعلوا الشّاعر يتلبّسُني !
إنّه، فقط، يتسرّب إلى داخلي دون مواعيد
كما يتسرب الماء عبر خرق في هيكل السفينة والبحّارة نائمون
فيُغرقها!
وأنا، أيضا، يُغرقُني الشّاعر كلّما تسرّب إلى أصابعي
ويتركني لبحثي الطّويل عن قطعة من خيال؛
قطعة ربّما تأخذني إلى شاطئ لغة آمن
لأصنع من خشب أبجديّتها زورق نجاة
فأنجو من بكاء جديد
وقد لا أنجو حين يتسرّب الشّاعر إلى داخلي
فأصير تابوتا يدفن فيه العالم ذاكرته الحزينة.
وبعد أن أتحرّر من “الشّاعر” الذي يتلبّسني
أعود لأغرق في صمتي
كذبابة غارقة في نصف كوب شاي؛
كوب منسيّ منذ آخر فرح زار بيت أرملة وحيدة
على مقعد
في الحديقة…