قَدْ عَلِمَ اللهُ قُدراتِ الشعراءِ التخيليّة فهم ” فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ” فعذرَهم، وحذرَ مِنْ تصديقِهم “إنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ”، يصفون الخمرة ويشتهونها بأشعارهم، أمّا واقعا فلا يقربونها فهي” رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ” ولغرامِ العربِ بالشعِر الذي هو صناعتهم وديدنهم أباحوا للشعراءِ في الكلام ما لا يبيحونه لأحدّ من البلغاء غافرين لهم أخطاءهم … وفرّقوا بين الصدق الفني والكذب، وباتوا يسخرون من الشعراءِ في سريرتهم، فكذبوا أبا العتاهية وبشار وحتى ( كُثيّرعزة) مسحوا بهِ البلاط ، … زعمَ الرواةُ أنَّ عزةَ الجميلةَ معشوقته التي تغنّى بِها ولحظاتها الحميمية لا تطيقه فهو قصير ذميم … لكننا صدقناه (مُسيكين) هذا الكُثيّر الكذاب كم تأثرنا وهو يئن لوعةً:
وما كنتُ أدري قبل عزةَ ما البُكا ولا موجعات القلب حتى تولت
يتغاضى الناس عن أخطاء الشعراءِ الأخلاقية، بل حتى الحًكام عندَ بعض الفقهاء المنافقين.
أبو العتاهية كان ماجنا ومانويا دهريّا وكان رغم زهدياته الظاهرية في أشعاره يزهو بنفسه فيقول: ” أنا أكبرُ مِن العروضِ “؛ فغفرَ لهُ الناسُ كلّ زلاته، بل اجتهدوا في تبرئته والدفاع عنه وأخطائه الأخلاقية والعروضية، وكذلك فعلوا مع الفاسق أبي نواس!
ثمّةَ رأيٌ شائعٌ عند بعض الحُذّاق من المتشعورين بأنّ ” “الشاعر المُلهَم يولد عالماً بالأوزان فلا يحتاج إلى دراسته” لذا تحذرُ الناقدة العراقية الشهيرة نازك الملائكة من هذه المقولة وتدعو كلّ الشعراء إلى اقتناء الكتب المفيدة في العروض والجيدة، وترى أن هذه الفكرة إنما هي مترجمة من الغرب وآدابه وقد اساءت الى الشعر العربي بشكل واضح والحق يقال ان الأغلبية من الشعراء هم مدعون للشعر وغير موهوبين لأنهم يرتكبون أخطاء عروضية
فادحة ويتفاخرون انهم لم يتعلموا العروض مع هذا. “!
كنتُ استغرب لماذا يخطّئ حُذّاقُ النحو بيت المتنبي الشهير ولا أستسيغ رأيهم في بيته الشهير المخالف لأصول علم النحو:
أنا الذي نظر الأعمى على أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم
قالوا الأصح في عُرفِ النحاة أن يقول المتنبي:
أنا الذي نظر الأعمى الى أدبه … وأسمعت كلماته من به صمم
لأنَّ الضمير يعود الى أقرب مذكور وهو الأعمى، ونرى أن خطأ المتنبي فيه من الجمال والمعنى أكثر من نقيق النحاة وتصويباتهم، إنّها عظمة المتنبي واعتزازه بنفسه التي جعلته يلتفت إلى نفسه بتعالٍ وكبرياء
أليس هو القائل: وكلُّ ما خلق الله وما لم يخلق
محتقرٌ في همتي كشعرةٍ في مفرقي
لكن مع ظهور المنهج التأويلي الذي رصدناه عند البلغاء العرب في السابق وزاد رواجه اليوم عند طائفة من النقاد سيما في تونس
ليتصدى الشاعر الفلسطيني أحمد كمال القريناوي لأطروحة مهمة ورائدة لشعرية الخطأ عند محمود درويش… ناقش القريناوي الأفكار المتعلقة بجمالية الخطأ بجسارة وجدارة فما علاقة هذه الفكرة بالمنصف الوهايبي شاعر تونس الحداثي المفكر.