توأمان نحو السماء/بقلم:غمدان المريسي ( اليمن )

نسج الكاتب عبدالفتاح إسماعيل الخضر قصة تتغلغل في أعماق الروح الإنسانية، مُجَسِّدَةً معاناة أب يواجه فراق توأميه، مي وملاك، اللذين يقرران مغادرة هذا العالم المليء بالظلم والكراهية.

القصّة تنقلنا إلى لحظة حاسمة حيث التوأمان يقضيان ساعاتهما الأخيرة في الحضانة، معلنين رفضهما القاطع للعيش في هذا الفناء البشري. العيون البريئة البراقة للتوأمين تعبر عن رؤية تتجاوز ما نراه نحن البشر، وتستبق المستقبل بإدراكها الباطني.

مي، بصوتها الملائكي، تهمس للأب بحقيقةٍ قاسية؛ بأن حبّه وحنانه لن يثنيا التوأمين عن قرارهما بالرحيل إلى الأبدية البيضاء. ملاك، بدورها، تخبر الأب عن الضيق الذي يشعران به في هذا العالم المليء بالفوضى والأنانية، وتدعوه لتفهم حاجتهما إلى السمو والخلود في عوالم فردوسية لا حدود لها.

هذه القصة القصيرة تُظهر مدى عمق الرابطة العاطفية بين الأب وبناته، وتسلط الضوء على الصراع الداخلي للأب الذي يجد نفسه عاجزاً أمام قرار التوأمين بالرحيل. لغة القصة الشاعرية والمشحونة بالعواطف تجسد بشكل مؤثر الفجوة بين البراءة الفطرية للتوأمين وقسوة الواقع البشري.

في النهاية، الكاتبان مي وملاك ينطقان بكلمة وداع أخيرة، تاركين الأب في حالة من الحزن العميق، ولكن ربما أيضاً في حالة من السكينة والتسليم بالقدر، مستوحاة من براءة ونقاء روحي ابنتيه اللتين اختارتا العلو والسمو على العيش في هذا العالم.

*****************

توأمان نحو السماء/ بقلم:عبدالفتاح إسماعيل الخضر

إلى روح الملائكة البيضاء الصاعدة للسماء..(مي..ملاك)
بلورتان مشعتان مدلهمتان رفضتا العيش في هذا الفناء، كم هو مر وكارثي هذا الرفض الوجودي المطلق … غادرتا للتو أرضنا البائسة حيث اللاءات العدمية اللاعدل … اللاسلام …اللاحب…
استقرتا لساعات في الحضَّانة لعل هناك ثمة حياة، يبدو أنهما قررتا رفض العيش مع البشر، أرى أربع أعين فيها تساؤلات كونية وترى ما لا نرى ‘ولها أبعاد تسبق سرعة الضوء وتتنبأ بالقادم ما نسميه مجازاً مستقبل، تلك العيون البريئة المشعة بالنور والبهاء ضاقت منا أن نلوثها ونعطيها دروساً شيطانية في الكذب والعبث والكراهية ‘ وقالت اتركونا وسجيتنا التلقائية، ذلك الزجاج العاجي
الذي يفصلني عن الملائكة البيضاء حاجز مادي عن بشر اليوم.
كأني سمعت مي:
أبي حيرتك ،عطفك ، حنوك ،علينا لن يثنينا عن قرارنا النهائي المحتوم ؛نحن باقون في الحضَّانة لساعات مجرد محطة ترانزيت لعبورنا للأبدية البيضاء لننام ونلهو هناك دون ضجيجكم وعبثكم، تلك أمانينا في الغياب والحضور والروح فنحن ذاهبون إليه.
ثم خيل لي صوت ملاك:
أبي أرى في عينيك وجعاً ممتداً من أزمنة الحزن الأكبر، تبقى لحظات قصيرة اسمعني وانصت لي جيداً فأنت تفهم مناغاتي وخواطري، أرضكم بكل ما فيها من جبال وبحار ومحيطات وصحارى وبشر أنانيون أضيق بملايين المرات من حضَّانتي؛ فعالمكم بدون رجاء وأرجاء، مدنكم فوضى بكل تفاصيلها الدقيقة، صدقني أبي الرحيل للأعلى سمو وعلو سرمدي لعالم الخلود الوردي المتلألئ بنور البصير، بفضاء شاسع الآفاق وعوالم فردوسية لا حدود لها ولا نهايات…
تسمرت عيناي ببريق أعينهن الذي يشع بقوس قزح، ذاب وجهي في وجوهن الباسمة لمعانقة الملائكة، خدود تهمس بلطف بمهجتي تمنحها الرضا والسكينة وترتب حياتي الداخلية كما ينبغي لها أن تكون، براءة مستوحاة من نفحات العلي، تعابير أوجه تسبح شوقاً للقاء الله بموعد لا يدرك زمانه ومكانه وكنهه البشر…
مي…ملاك… بصوت واحد:
أبي لا نستطيع التنفس…
وداعاً.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!