نهايتنا، هل كنّا ابتدأنا؟
إلى الحبِّ الذي كان أكبرَ منّي وأصغرَ منكِ.
كم كان وسيماً هذا الفجرُ. وأنا أبصُرُ خلفيةَ شاشةِ هاتفي
كانتْ لطفلةٍ شقراءَ، اتفقنا مرةً بيننا لنتذكَّرَها كل حينٍ،بعدما تخلَّينا عن أكلِ التُّفاحِ، كونُه ثقيلاً على معدتِك كما أخبرتِني،ويسبِّبُ لك شيئاً من الغثيان،كنتُ حينها في ردهةِ المشفى الذي عمدْتهُ باكراً من فرطِ الوجعِ الذي المَّ بصدري أخيراً حتى أنّي شعرتُ بضيقِ الانفاسِ،أرقبُ مؤشرَ جهازِ التَّخطيطِ بعينٍ وبالأخرى شاشةَ هاتفي لعلَّها تومضُ برنَّتِك لتشعرني ببدءِ الصباحِ..
لا أدري، شعرتُ أنَّ كلَّ شيءٍ من حولي حقيقيُّ وناضجٌ وأنا المهووسُ بالخيالِ..
كانت صورُكِ العديدةِ في خزانةِ هاتفي تطفحُ بي كلَّ حينٍ وكأنَّها تناديني كي أفكَّ قيودَها لتخرجَ محلقةً مع عصافيرَ الفجرِ وتزقزقُ بالكثيرِ من الدَّلالِ..
في صورِكِ الأخيرةِ كنتِ متوترةً وتخفين عصبيتَك ، كانت ملامحُكِ توحي بالكثير.
لكنَّكِ جداً حقيقيةٌ ومشغولةٌ بتطريزِ شالِ النُّورِ كما في كلِّ فجرٍ..
عيناك السّاربتان نحوي تضجّانِ بصخبٍ مخفيٍّ وابتسامةٍ باهتةٍ، أدركتُ كم كان ليلُكِ ثقيلاً كي تبدين بهذا اليباسِ..
حتى وشمِ الحنّاءِ الأخيرِ النابتِ بعنقِكِ كان وكأنّه يؤنِّبُكِ بوخزٍ غريبٍ..
نعم هكذا بغرابةٍ قاتلةٍ كنتُ اأشعركِ تدنين من حدِّ نهايتنا بأصرارٍ غريبٍ وكأنَّكِ تمارسين فعلاً روتينياً تدفعين به ثقلاً ما..
لا ألومُك لم أكنْ مبهراً بمايكفي فلستُ رجلاً من سلالةِ المغولِ كي أسفِكَ دمَّ مشاعري
كلَّ حينٍ في باحةِ قصورِكِ الحمراءَ.
فأنا الجنونيُّ، وأنت قبل غيرك تدركين ما لعنةِ الجنوبيِّ حين يعشقُ امرأةً من ريحِ الشِّمال..
فالرجلُ الجنونيُّ لايجيدُ لعبةَ جرِّ الحبلِ إلاَّ مع الموتِ في ساحاتِ القتالِ ولا يقوى عل تدجين الشمسِ في قنِّ الدجاجِ
ولا يجمعُ بيضَ الأماني كلَّما صاحَ ديكُ الصَّباحِ..
ولكن في أيامِكِ الأخيرةِ كنتِ كانَّكِ تجبرين الدِّيك أن يبيضَ ، ليفقسَ الحبَّ في مناقيرَ
الصِّدقِ والوصالِ..
تأكدي لالومَ عليك أبداً
ولن أُعِدََك ِخسارةً من الخساراتِ
كنتِ الرَّقمَ الأولَ في بورصةِ الصِّدقِ لديَّ
والسَّهمَ الصاعدَ نزفاً في سوقِ العشاقِ..
ولكن من أين للجنونيِّ قلباً بهذا الجلَدِ كي
يُدرك َقلبَ بنتِ الشمالِ..
خصلاتُكِ الشقراءُ التي كانت تتطايرُ خلفها
أعينِ الرِّجالِ أينما حللتِ وكما أخبرتُك
ذاتَ مرةٍ ،أنت أفضلُ مَن تجيدُ ليَّ أعناقِ الرجالِ فتدورُ حيث تدورين لتمارسي
سلطةَ الغرورِ في معسكراتِ وثكناتِ الكبرياءِ
َوكان يليقُ بكِ حقاً..
أعودُ مرةً أخرى لشاشةِ هاتفي…
ولصوتِ المشرفِ المسؤول عن تخطيطِ القلبِ
ليخبرَني
أن قلبَك ينبضُ بضعفٍ وأنك تجهدُهُ بالكثير،
لم أعبأْ لقولِهِ
وتجاهلتُ عمداً صرفَ العلاجِ الذي دوَّنه لي.
شاشةُ هاتفي تتربعُها صورةٌ..
للطفلةِ الشقراءَ الصغيرةِ وأتساءَلُ في نفسي
هل مازالتْ تضعُها هناك كذلك…؟
نعم نهايتُنا..
بماذا أسمّيها…
الخذلانُ..
الخذلانُ كم يقسو علينا
الأمر ُحين يخذلُك أحداً كنتَ تشكو اليه خذلانَ الأشياء ِ
كيف يكونُ قاتلُكَ حين كنتَ تظنُّهُ الطبيبَ
غريبةٌ والله هي الأمور.ُ…
ومع ذلك لا لومَ عليكِ…
كَوني أدركُ أن الامورَ ستعبُرُ بكلِّ ما فيها من خلجٍ وغنجٍ ومن وهجٍ وأنطفاءٍ،
هكذا هي إراداتُ الأشياءِ ، تمضي وتعبرُ بقوَّتها المجنونةِ أو ببهتانِها وزورِها وبكلِّ
مافيها وعليها..
فقبلُ سنواتٍ لم نكنْ .
وكان غيرُنا وجئنا نحن وسنعبرُ ويأتي آخرونَ من بعدنا..
كم راهنّا سلفاً على أثرٍ للفراشاتِ،
وها نحن بعد هذا الحين لانملكُ ولو وقعاً طفيفاً من هذا الأثرِ المزعومِ..
أعودُ مرةً أخرى لآمرَ قلبي وكأنَّه ابنٌ عقَّ والديهِ أجلدهُ مراتٍ ومراتٍ وأضحكُ بسرّي كثيراً كوني أعلمُ أنَّه وُلِدَ بثقبٍ مذ أكثرَ من ثلاثين ومازال ينبضُ،
ويعبر منه الكثرينَ،
ولكن هذه المرَّةُ كان حجمُ حبِّكِ أكبرَ من ثقبهِ الذي يتشدَّقُ به كل حينٍ..
فيا تُرى كم كان حجمُ بنتِ الشِّمالِ في قلبِ ابن الجنوبِ؟
.