أشتقتُ لأكتب/بقلم: رانيا السيد

لم أكتب منذُ شهرين تقريبًا؛
أشتقتُ لأكتب، جهّزتُ غُلاف كِتابٍ لأكتبَ عليه،
لكنّي رأيتُ أنَّ ما أودُّ الكتابةِ عنه-أشخاص وأشياء-أكثر مِمّا يمكن لكلماتي أن تحيطه وتستوعبه!
والمواضيعُ تتدفّق والأفكار تتزاحم،
أأكتبُ عن هذا أم عن ذاك؟
عن هذه أم تلك؟
أتُرى مَن الأكثر وجعًا؟
مَن الذي يستحق أن تُنفِّسُ الحروف عنه قليلًا؟
مَن أكثرهم حاجة لتأخذ الأبجدية مِن همومه؟
ما الأشياء الأكثر تسلُطًّا علينا وعلى واقعنا؟
ما أكثر الأشياء التي نعيشها ألمًا،
أو يعيشونها؟
مَن يستحق أن يصبح لغة؟
ما يستحق أن يصير كلمات؟
مَن الذي قد سبقنا خمسةُ سانتي ميترات مِن الوجع ليصبح حرفًا في رفٍّ مليء بالأشخاص الذين تأملوا أن يقراهم أحدٌ فيشعر بما عاشوه؟
لكنه تأمُّل فقط-تؤخذ حياتهم على محمل الإستمتاع فتطوى كغيرها من القصص المؤلمة أو المخيفة-
إننا نعيش ألم الأشخاص الحروف لساعاتِ قراءتنا لها فقط مهما أثبتنا لعقلنا الباطن أننا سنحتفظ بها، بنفس المستوى مهما أثبتنا لأفئدتنا أننا سنتأثّر بها إلى ما بعد طي الكتب!
أفضل مِن ألّا نصير حتى حروفًا،
لكن ليس سهلًا أن تصير حرفًا أيضًا، ولتكن كذلك كن خارقًا في كل ما تمر به قولًا وفعلًا..
خارِقًا في صبرك وتحمُّلك، خارقًا في مبادراتك وبطولاتك، خارقًا في جذب الأنظار إليك،
إنك خارق؟!
إذن أهلًا بِكَ في رفِّ إعادة تشغيل الذاكرة ولفت الأنظار إلى ما بعد دفن الجسد ولو لثوانٍ!

تمعّنتُ كثيرًا فوجدتُ أننا لا نخلوا مِن المتاعب كيمنيين، كسوريين، كلبنانيين، كعراقيين، كسودانيين، وكليبيين، لكننا لا نخلوا من المتاعب كفلسطينيين، بين قوسين من اللاشيء من الهناء (كغزيّين)
لم نذق ماذاقوه..
جاعت بطوننا لكن ليس لحد أكلنا لأكل الحيوانات وفطورنا في رمضان ثمرةُ طماطم واحدة هذا إن وجدت!
توسّلنا وطالبنا العالم بأنقاذنا لكن ليس لحد ظهور مدير قسم الجراحة والجراح الوحيد المتبقي في مستشفى شهداء الأقصى للمرة الأكثرُ مِن العشرين يهتف بها بكلماتٍ أخذت مِن العالم لا مبالاة ما جعلها تمر مرور الكرام في آذان السامع، لم يكلف نفسه ليسمعها حتى تدخل من هذه وتخرج من تلك!
عشنا بخوفٍ لكن ليس لحد أن نكبر على أصوات الصواريخ وهم يربّتون على قلوبنا “فقاقيع أفراح عمو فقاقيع أفراح”
ذقنا فقدًا قاسيًا يأخذ منّا أعزُّ الناس إلينا منّا لكن ليس لحد ألّا أعرف من أُعزّي نفسي فقدتُ خمسةُ مِن عائلتي أم الرضيع الخَدج الذي لم يتبقّى له من عائلته إلا هو؟!
أضطررنا للنزوحِ لكن ليس لحد أن أُغيّر مكان عائلتي في الشهرين مرة وداخل القطاع فقط، لأضمن سلامتهم-هذا إن كانوا سالمين،
لقد كانت حياتنا مغرية لمن يعشق مشاهدة أكشن وسواد،
لكن حياتهم كانت ضِعفَ حياتنا في السواد!
لقد رافقهم الليل الدامس وأبى أن يغادر،
تطلع علينا أشعة الشمس في أوائل النهار لتحاول أن تنسينا ما عشناه بالأمس،
ولكنهم وإن أشرقت الشمس عليهم لا تُرى أشعّتها مِن دخان التفجير والركض!!
لذا..
أخترتُ شخصية غزّية شديدة كحل العينين ، وكأن النظر إلى عينيها يهون على غزة بالكامل ما تعيشه!
أنيقةُ المظهر وكأنها لم تعرف الخيام، نفاد الماء وعيشة التراب والسفر على الأقدام يومًا،
إنها حبيبتي الأستاذة سارة عودة،
سارة بنت مزاحم اسمها المعنوي،
صبرت ما صبرت،
ذاقت ما ذاقت،
ولا زالت ترسل لنا همساتٍ تستحق أن تُقدَّس ،
فهي حقيقةً تستحق أن يكتب عن همساتها “ليست للبيع”
لا أعلم هل بهذه الهمسات تهوّن علينا أم عليها ما عدتُ أعرف،
أنني أستحي حقًا حتى عندما تسألني كيف حالكِ؟
فأجيب الحمدلله بخير،
ما أخبارك؟
الحمدلله طيبة.
وهي حين أسألها نفس السؤالين تجيبني:
الحمدلله لقد أعطانا أكثر مما أخذ، الحمدلله لأجل أننا مسلمون ولأن الوعد الآخرة.
أنرل رأسي تلقائيًا حين تقول لي ذلك،
أترين، ران؟!!
صرتُ أستحي حتى أن أراسلها،
ماذا سأقول لها بربّكم؟
ومِن صبرها وكلامها أرى عكس ما يحدث في غزة!!
وعزة الذي رفع السماء بلا عمد أنني لا أستطيع أن أقول شيئًا أمام هذا الخذلان وما قابله في غزة مِن بلوغ القلوب الحناجر سوى ما قاله العساف في بودكاست تخيل “مستحين حتى من دموعنا”
وفي النهاية:
عزائكم قول ربنا الكريم {وما كان ربُّكَ نسيًّا}

 

About محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!