أبناء الضوء المؤجّل! /بقلم: بشّار بن عبده المحرابي

 

نحن أبناءُ الضوءِ المؤجّل…
وُلدنا في زوايا نائية من هذا الوطن، في القرى التي لم تصلها الكهرباء إلّا خجلى، والتي كانت تظن أن الراديو أقصى ما أنجبته الحضارة.

نحن الذين كنّا ننهض مع أصوات الديكة، وننام حين تغفو الدجاجات، نرعى الماشية، ونغنّي للغيم، ونتوسّل للمطر.
كنا نعيش الحياة دون مرآة، لا نعرف كيف نبدو، ولا كيف يرانا العالم، فقط نحسّ بوجودنا كما تحسّ الشجرة بجذورها.

ثم جاء الهاتف الذكي، ودخلنا الإنترنت كما يدخل القروي المدينة لأول مرة: بعين مدهوشة، وقلب خائف، وجيب فارغ.

اكتشفنا عالمًا آخر، مكتظًا بالأفكار، والمصطلحات، والصراعات…
شعراء يتحدثون عن التيه، كُتّاب ينظرون في الفراغ، نسويّات غاضبات، رجعيّون متشنّجون، صفحات ثقافية تسكب الفلسفة على الصور، ومعلّقون يصرخون في الفراغ.

كنا نقرأ كل شيء، ونصمت…
لأننا نشعر أننا جئنا متأخرين على الوليمة، وأن الكراسي محجوزة منذ سنين طويلة، وأننا لا نملك إلا أعينًا تقرأ… وقلبًا يمتلئ.

لكننا بدأنا نكتب، أولًا بخجل… ثم بشغف، ثم بحنق، ثم بيقينٍ يشبه الفجر، صرنا نكتب كما لو أن الحرف خلاص، كما لو أن الجملة سلاح، كما لو أن المنشور طلقة في وجه الظلم.

كتبنا عن أوطاننا الصغيرة، عن قُرانا المنسية، عن الشهداء الذين لا يُذكرون، عن الأمهات اللاتي يُسقين الشاي للحرب كل صباح، عن الأطفال الذين صاروا رجالًا قبل أن يعرفوا كيف تُربط الحذاء.

كتبنا عن الفقد، عن الحنين، عن الذين ماتوا في الذاكرة لأنهم لم يجدوا منصّة تحكيهم…
وصرنا نعرف… أن هذا الحرف الذي كنا نظنه ترفًا، هو أثقل ما حملنا بعد الوعي.

نحن أبناء الضوء المؤجّل…
لكننا اليوم نحمل قنديلًا في صدورنا، لا يحتاج كهرباء، ولا إذن عبور…
نكتب، لا لنُعجب، بل لِنُرى…!

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!