ولم أزل
لم أكن بنتاً فحسب
كنتُ رجاءً مُعلّقاً على عتبة أبوين
كلما رفعتُ رأسي
أراهما بابين لا يُطرقان
إلا بخشيةٍ تشبه الصلاة
كما لو خُلقتُ لأردّد في حضرتهما
ما قاله المستضعفون
ربّ اجعلني لهما سبباً للرضا
ما ناديتُ باسمي بين أيديهما
كنتُ إذا أشرفتُ على صوتي
أعود إلى الدعاء
وأنا أستغفر الرب
أن يكون في نبرتي شبهة اعتراض
ما نكرتُ صمت الذي علّمني الصبر
كنتُ أترصّد منه دفءَ المعجزة
وكلما خذلتني يده عن الحنو
قلت لعلّه يخاف عليّ من عطائه
كما خاف الخليل على ولده من الحُلم
وما تجاهلتُ جفناً تورّمت سهراته لأجلنا
ولا ادّعيت أن القلب الذي أنجبني
لم يحبّني
لكني كنت أبحث عن قلبي في قلبه
فلم أجدني
وكان برّي بهما
يشبه صلاةً يتيمة
في ليلةٍ لا تُرفع فيها الدعوات
إلا خاشعة
كم كنتُ أُشفِق عليهما من نفسي
أخاف أن أحاسب
على أنّي تمنّيتُ دفئاً أكثر مما أُعطيت
فكنتُ أخفض لهما جناحيّ
لا حبّاً فقط
بل وجلاً
أن لا يُرضي المولى دعائي
وفي قلبي شيء
ما كنتُ أجرؤ على السؤال
ولا على التمنّي
كنتُ فقط
أنتظر أن يناديا اسمي يوماً
كما ينادي الاله عبده
يا عبدي
قد رضيت
ولما صرتُ أمًّا
برّتني صغيرتي
برّاً لم أتعلمه منهما
كأنها جاءت لتُربيني لا لأُربّيها
تمسح عن وجهي وجعاً لم أروِه
تحتضنني حين تلمح فشل الصبر في عيني
تقول لا تبكي
وأنا التي لم أُتقن هذا القول لهما
فأدركت متأخرة
أن الطفولة حين تُحرم من الحنان
تُنجب حناناً فائضاً
يُربّيها من جديد
و لا أنكر أن ابنتي
ما كانت لتصير أمّاً بهذا الاتساع
لولا تلك العطشات الصغيرة
التي عبرتْها بي
كانت تلتقط من جفافي
ما تظنه ماءً
وتُعلّمه للحنان
فربما كنتُ أُربّيها
وأنا لا أدري
على نواقصي
أنا الأم التي أنجبت أمها
فأحسنت تربيتها