خريف يزهر / بقلم: عائشة المحرابي (اليمن )

حين يتكلم العمر، يهمس بصوتٍ خافت بين نبضات القلب:
يقولون: العمر مجرد رقم،
لكنني أعلم أنه نهرٌ طويل يجري تحت جلدي،
ينحت على وجهي نقشًا من أيامٍ مضت،
ويترك بصماته مثل المطر على صخرةٍ صامتة،
كل تجعّدٍ فيه قصة، وكل خطٍ وشمٌ للروح.

في العشرين كنتُ أرقص كنسمةٍ على حافة الضوء،
أرفرف بين أحلامٍ خضراء،
أتنفس الحرية وأشرب من فجر الحياة.
أما الآن، في الخمسين، أو الستين فأمشي كغصنٍ مثقلٍ بالندى،
يتمايل بصعوبة، لكنه ما يزال يزهر،
تسقط أوراقي على الأرض،
لكنها تروي التراب بخبراتي،
وتترك للعابرين ذكرى عطري.

المشاعر…
في الصبا كانت تجري كخيلٍ برية،
تختبئ بين الغيم وتسرق من الريح أسرار السماء،
وفي الكهولة صارت فراشاتٍ هادئة،
تخطو برفق، تحذر من أي لهب،
تتعلم أن الحب أحيانًا يؤلم قبل أن يبهج،
وتتذكر كل مرارة وكل خيبة،
لكنها ما تزال تحاول أن تتلمس جمالها.

أقف أمام المرآة،
أرى ابني أطول مني، وحفيدي يضحك كفجرٍ جديد،
فأبتسم: العمر يزهر من جديد في وجوههم،
تتكرر الحياة في ضحكاتهم،
ويستمر النهر رغم كل الجفاف.

أحمل في قلبي تعب السنين،
وفي يدي فنجانٌ مملوء بالحلم والرجاء،
أرفعه ككأس نصرٍ صغير،
أنا خريفٌ هادئ، تتساقط أوراقه برفق،
لكن جذوري ما تزال متشبثة بالحياة،
وفي قلبي زهرة تتفتح رغم الغيوم.

أعرف أن العمر، مهما طال،
يبقى قصيدةً لا تُكتب إلا على صفحات الروح،
وترتجف أجنحة الزمن كلما همست لي:
“احفظي اللحظة… فكل ثانيةٍ فيها تصبح أبدية.”

وها أنا أطفئ شمعتي في خريف العمر،
والربيع ما زال في قلبي
مرحبا بالحياة.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!