عادل الخطيب (الأردن)
لم يكن رحيل الأديب زياد الجيوسي مجرد غياب جسد، بل كان دهشة عميقة باغتت أصدقاءه ومحبّيه، الذين ما زالوا يرون صورته حاضرة في كل زاوية من حياتهم. كان موعد القهوة على الأبواب، واللقاء الذي تم ترتيبه ما زال عالقٌ في الذاكرة، لكن زياد آثر أن يشرب قهوته هذه المرة في سماء أخرى، تاركاً قلوب أصحابه تغلي بالشوق كما تغلي الدلّة على النار.
كان صديقاً صادقاً، رقيق الروح، يحمل في كلماته أناقة الثقافة ودفء الذاكرة، ويعرف كيف يحوّل لحظة عابرة إلى قصيدة من الحنين. لم يكن مجرد كاتب أو ناقد، بل كان شاهداً على فلسطين بجبالها ومدنها، بكتبها وجامعاتها، بمكتباتها وأسرارها. من رام الله إلى عمّان، ومن القدس إلى جبال جيوس، ظل زياد يكتب وكأنه يوزّع مفاتيح البيوت المفقودة على الورق.
في وداعه، كتب الأصدقاء كلمات تفيض بالدمع:
“إن العين لتدمع، وإن القلب ليخشع، وإنا لفراقك يا زياد لمحزونون.”
رحل تاركاً سؤالاً يوجع القلب : من سيواصل بعده حمل الكتب إلى فلسطين، ومن سيملأ مجالس الأدب بقصصه الدافئة وضحكاته الطفولية؟
لقد كان زياد الجيوسي ذاكرة وطنية وثقافية بامتياز، عاش حياته بين القلم والقضية، بين الحلم والحقيقة، وحين قرر الرحيل فعلها كما يليق بالكبار: فجأة، بلا مقدمات، تاركاً أصدقاءه في صدمة الرحيل، يتأملون صوره ويبحثون عن صوته في صمت الغياب.
سلام عليك أيها الصديق الوفي، أيها الأديب النقي، أيها الحاضر في وجدان القدس وعمّان وكل من عرفك. رحمك الله رحمة واسعة، وأسكنك الفردوس الأعلى، وجعل ذكراك باقية ما بقي الحنين.
آفاق حرة للثقافة صحيفة ثقافية اجتماعية الكترونية