لم تكن الزينة يومًا اختيارًا حرًا، ولم يكن التجريد خلاصًا. إنها اللعبة نفسها بوجهين مختلفين: تاجر الموضة يبيعكِ وهج الذهب والكعب والعطر كأنها مفاتيح الرقي، وتاجر الدين يبيعكِ نزع كل ذلك كأنه مفاتيح الطهر والخلاص. في الحالتين، لا يتركون لكِ جسدك، بل يحولونكِ إلى رمز لسلطتهم هم: رمز الثراء عند الأول، ورمز الطاعة عند الثاني.
الكعب العالي ليس حرية، بل قيد يبطئ خطوتكِ ويحوّل جسدك إلى عرض متحرك، يظن البسيط أنه اقتحم أرستقراطية لم يعرفها، بينما في الحقيقة لم يصبح منها ولا بقي ابن طبقته. والإكسسوار ليس امتلاكًا للترف، بل مسخٌ يجعلك نسخة مشوهة من صور أرستقراطيات لم تُدركي أن ابتسامتهن ونظراتهن كانت محكومة بحسابات نفوذ ومكانة، لا بقطعة ذهب على الرقبة.
لكن الوجه الآخر للخدعة لا يقل قسوة: رجل الدين الذي يقنعك أن الحرية في نزع كل ما يذكرك بجسدك، أن الطهر في أن تصيري ظلًا لا رائحة له ولا لون ولا زينة. هنا تُحوَّلين إلى لافتة حيّة على سلطته، كما يُحوّلك التاجر إلى لافتة على ثروته. كلاهما يستخدم جسدك لتثبيت سطوته: الأوّل باللمعان، والثاني بالمحو.
المفارقة أن الأيديولوجيتين المتناقضتين تلتقيان في نقطة واحدة: مصادرة ذاتك. يضعونك بين خيارين زائفين: إما أن تلمعي كسلعة أو أن تُمحى ملامحك كرمز للطاعة. لا هذا تحرر ولا ذاك خلاص. كلاهما سلب. كلاهما قيد.
القضية لم تعد قطعة حذاء أو عقد ذهب أو رائحة عطر أو قطعة قماش سوداء. القضية أن تُنتزع منكِ حرية التعريف بنفسك. أن تُصادَر حواسك باسم الرقي أو باسم الطهر. أن يتحوّل جسدك إلى ساحة صراع بين السوق والمنبر، بينما تغيب أنتِ عن المشهد.
التمرد لا يكتمل إلا بفضح الوجهين معًا. أن تقولي: لن أكون واجهة عرض ولا لافتة وعظ. لن أُختزل في رمز لسلطتكم. لن أصير سلعة ولا ظلًا. سأكون ذاتي، بقراري، بخطوتي، بعطري أو بدونه، بزينتي أو بعري من الزينة، لكن باختياري أنا.
حينها فقط تنكسر اللعبة: عندما تستعيد المرأة حواسها وجسدها من أيدي من يزعمون حمايتها، وتعيد تعريف وجودها خارج قوالب الرقي والطهر الزائفة. وحينها فقط تصبح الحرية حقيقة: أن تملك المرأة نفسها، لا أن تُباع في الأسواق ولا تُرفع في المنابر