سبتمبرُ ، حين نطَقَتْ الحريةُ/ بقلم:خالد الدهشلي

لِمَن تُرفعُ الراياتُ إن كانت الريحُ عمياء؟
لِمَن تُغنّى القصائدُ إن كانت الحناجرُ مكمّمةً بالتراب؟
في ليلٍ كان الوطنُ فيه قيدًا،
تكسّرت الأقمارُ على صدورِ الجبال،
وانبعثت من شقوقِ الصخرِ صيحةٌ
تُشبهُ أولَ حرفٍ نطقته الحرية.

لِمَن تُضاءُ الشموعُ إن كانت العيونُ لا ترى؟
لِمَن يُكتبُ التاريخُ إن كانت الصفحاتُ مبلّلةً بالدم؟
في السادس والعشرين،
لم يكن الفجرُ موعدًا،
بل انفجارًا في قلبِ الظلام،
حيثُ ارتدى الشعبُ صوتهُ
ومشى على جمرِ الصمتِ حتى احترقَ القيد.

لِمَن تُهدى البنادقُ إن لم تكن للكرامة؟
لِمَن يُسفكُ الخوفُ إن لم يكن للنجاة؟
كانت البنادقُ آنذاك
أقلامًا تكتبُ على جبينِ السماء:
“لن نعودَ إلى القبورِ ونحنُ أحياء”
وكانت الجبالُ تصغي،
وكانت الريحُ تُصفّقُ للذينَ خلعوا جلدَ الخنوع.

لِمَن تُزرعُ الأحلامُ إن لم تكن في أرضٍ حُرّة؟
لِمَن يُولدُ الطفلُ إن لم يكن له وطنٌ يُشبهُ اسمه؟
سبتمبرُ لم يكن شهرًا
بل نافذةً انفتحت على الضوء،
وفيها رأى اليمنيُّ وجهَهُ
دون مرايا،
دون سلاسل،
دون صوتٍ يُملى عليه من خلفِ الجدران.

لِمَن تُكتبُ هذه الكلماتُ إن لم تكن لمن حملوا الوطنَ على أكتافِهم؟
لِمَن نُهدي القصيدةَ إن لم تكن لمن جعلوا من الحرفِ بندقية؟
هُم الذينَ مشوا عكسَ الريح،
وغرسوا في خاصرةِ الليلِ شمسًا
لا تغيب،
ولا تُساوم،
ولا تُنسى.

لِمَن تُكتبُ النهايةُ إن كانت البدايةُ ما تزال تمشي؟
لِمَن يُقالُ “انتهت الثورة”
والشوارعُ ما زالت تحفظُ وقعَ الخطى
كأنها لا تريد أن تنسى؟
سبتمبر ليس تاريخًا يُعلّق على الجدران،
بل نبضًا يتردّد في صدرِ كل من قال “أنا يمنيٌّ، إذًا أنا حرّ”.

في التأملِ الأخير،
لا تُقاسُ الثوراتُ بعددِ البنادق،
بل بعددِ الأرواحِ التي لم تعد تقبلُ القيود،
وبعددِ الأحلامِ التي صارت تُحلقُ دون أن تستأذنَ الغيم.

سبتمبرُ هو السؤالُ الذي لا يُجاب،
لأنه لا يحتاجُ إلى جواب،
هو الجوابُ نفسه
حين تُولدُ الحريةُ من رحمِ المستحيل.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!