في كل صباح تستيقظ قبل الجميع
تغسل الصحون التي لم تتسخ بعد، وتعيد ترتيب المزهريات
وكأنها تحاول أن تخلق معنى من التكرار والرتابة.
البيت دائما نظيف، مرتب أكثر من اللازم
كأن النظام هو الطريقة الوحيدة لتشعر أنها ما زالت تتحكم بشيء
في منتصف النهار تفتح التلفاز على مسلسل مكرر،
تضحك احيانا ،
تبكي احيانا أخرى
لكنها لا تتأثر حقا…
فكل الشخصيات تشبهها وكل النهايات محفوظة..
وحين تسمع رنة المفتاح على الباب، تسرع للمطبخ
تتأكد أن الطعام ساخن بما يكفي ليملأ الفراغ العالق بينهما
ثم تراقبه يدلف بهدوء
يأكل دون أن يرفع رأسه
وتكتفي بابتسامة صغيرة تخفي وراءها عمرا كاملا من الصبر..
تنتهي جنازة العشاء.
يدلف المجلس يضع الوريقات في فمه ويحدق في الهاتف يلوكها كمن يلوك التعب.
وتدخل غرفتها هي الأخرى أو بالأحرى عالمها الآخر
تغلق الباب بإحكام
هو لن يأتي ولن يطرق ذلك الباب اللعين
ولكنها اعتادت على أن تغلق الأبواب بإحكام
هكذا علموها كي تحافظ على نفسها..
تجلس أمام مرآتها.
تتأمل صورتها المعلقة على الجدار
كانت هناك فتاة في الصورة
تبتسم بعينين تملؤها الأحلام
أن تسافر، أن تعزف، أن تتحرك دون قيد
تبتسم بمرارة وهي تفكر كم من تلك الأحلام دفن في مطبخ صغير وتحت أكوام الغسيل.
وكم من أمنية اختنقت برائحة البصل والملح.
تمد يدها إلى درجها المليء بأدوات المكياج.
تلتقط فرشاتها كمن يستعد لطقسٍ مقدس
تمررها على وجهها ببطء، تحاول استعادة ملامحها الأولى
أحمر الشفاة هنا
القليل من أحمر الخدود هناك
الأحمر الذي لم تضعه سوى مرة واحدة فقط
“يوم زفافها”
تهمس لنفسها : ما زلت جميلة
تخلع جواربها، تقف حافية القدمين
تشغل موسيقى فرنسية هادئة كانت تحبها،
تبدأ بالتمايل بخفة تتحرك وكأنها على حافة الحلم.
تضحك وترفع ذراعيها للهواء
تدور حول نفسها حتى تلهث
ثم دون سبب واضح تفتح خزانتها
تخرج فستانا من الدانتيل الأبيض
تلبسه
ترفع شعرها
وتلفه بيديها
تترك تمموجاته كما تحب
فهي لم تعد تؤمن بمعايير الجمال التي فرضوها عليها..
ترتدي حذاءها ذي الكعب العالي
وتتقدم بخطوات صغيرة نحو المرآة
تتمايل أمامها في صمت
ترى امرأة لم تعد تعرفها
لكنها تحبها أكثر مما ظنت
تنتهي الموسيقى فتجلس على الأرض
اااه ما أقساها
تتذكر اخر مرة افترشت العشب
والتحفت النجوم
تسند ظهرها للسرير وتغلق عينيها
تترك الكعب عند قدميها،
وتغفو على وسادة من خيال،
تحلم بأنها ترقص في مكان آخر، في حياة أخرى
حيث لا يقاس الجمال بالطاعة
ولا يطفأ الضوء حين يعود الرجل إلى البيت
في الخارج ما زال التلفاز يهمس
وهي
ترفع صوت الموسيقى
وتفتح النافذة.