(1)
عندما يذهب الأحياء إلى شموسهم كالصّواعق، والثّوّار إلى حتفهم باسمين…
عندما يقاد القاتل إلى برد السّجون، رافعا يديه بعلامة النّصر، ويذهب القتيل إلى موته راضيا وسعيدا…
عندما حجر الطّفل لا يبصر شيئا جديرا بالإصابة، سوى نوافذ الجيران، وتغدو السّعادة حزنا خالصا…
عندما يسقط الأحرار أعلى من مستنقعات الأرض، وتتحوّل الأرواح المصعوقة بالوجْد، إلى أقمار صغيرة تتسكّع في القلوب…
عندما فجأة، يحوّل النّهر مجراه، ويصعد جبلا، ويتبخّر البحر تماما، حنينا إلى مجرّة أخرى، (قد يحدث هذا يوما، ونحن في زمن العجائب)…
عندما يستيقظ الغزال من النّوم، ليشحذ أنيابه على صخور الجبال، ويغدو رمزا صاعقا للشّراسة والبطش، وعلامة فاضحة على انقراض الوداعة…
عندما ينقلب كلّ شيء إلى ضدّه، كأن يصبح الوفاء النّادر خيانة علنيّة لكلّ شيء…
عندما يحدث كلّ هذا، فلابدّ من وجود أسباب ساخنة لهذا.
(2)
عندما تذهب المرأة الّتي نحبّ، عميقا في الأعصاب والأوردة، حتّى نلمس رائحتها باليدين…
عندما تصبح الرّيح مسكنا آمنا لبعض سكّان الأرض، وأرحم من مجاورة الأهل والأصدقاء والأحباب…
عندما يضيء الذّلّ في عيون الرّجال/الرّجال، فيتحوّلون تحت الشّمس إلى أشباه، وفي أعماق الّليالي إلى كائنات من أنين ونواح…
عندما تبدأ أمّنا الأرض في التّململ، إستعدادا للطّيران بعيدا جدّا، بعد نفض سكّانها العاقّين عن ثوبها الجميل (تربتها الدّافئة)، وإلقائهم بين أحضان الرّيح…
عندما يتحوّل المحبّ إلى راقص مجنون، غداة العثور على عدوّ رائع أرحم من حبيبه…
عندما ينهدّ الثّوّار (الآخرون) في دواخلهم مسحوقين ومخذولين وحزانى، وقد أدركوا أنّهم وهبوا حياتهم فداء لأكياس من…رياح…
عندما يحدث كلّ هذا، فلابدّ من أسباب ساخنة لهذا.
(3)
عندما تطلع أنجم في النّهار، ويظلّ الّليل منتصرا على شمس منكسرة وذليلة…
عندما تتحوّل البغال والأحمرة، إلى كائنات ناطقة بلا كلام، وناقدة حكيمة لسوء السّلوك، وقلّة الأدب، ونكران الجميل…
عندما يصبح المجانين بيوتا آمنة للعقول الرّاجحة، والجنون هو الطّريق الصّحيحة للحياة الحقيقيّة…
عندما يغدو ثمن العزّة أرخص من قصيدة فاسدة، والإصرار الطّويل الطّويييييييييل، على الوقوف العزيز عار ومذلّة…
عندما وفي هذا الزّمن القِرد، يخجل الرّجال من رجولاتهم، والنّساء “الأخريات” “قوّامات” على الرّجال…
عندما يطمئنّ النّقابيّ الجليل إلى سريره، بعد عمر حافل بالشّكوك والإرتياب، وينفق ما تبقّى من حياته في استقبال طائر النّوم الأليف…(هكذا)…
عندما تصبح الكتابة لعنة مزمنة، وليلا آسرا للذّاهبين نحو جلالة الشّمس…
عندما تتنزّل نجمة وقحة، وتحطّ -استجابة لنداء عاشق محموم- في كفّه المتوسّلة…
عندما يحدث كلّ هذا، فلابدّ من وجود أسباب ساخنة لهذا.
(4)
عندما يبصر الأعمى وردته باليدين، وتعمى القلوب عن رؤية مريديها…
عندما تذهب الرّاهبة الوحيدة جدّا، في الّليل إلى…جسدها المغسول بالدّموع والشّهقات، وتعود في النّهار إلى أحلام الّليل…
عندما تصدق الأساطير، ويتحوّل الواقع إلى مجموعات من الكذبات الكبرى، فنغدو -كالكتّاب- كائنات أسطوريّة جدّا…
عندما تتوب الطّفولة عن ممارسة طيشها ونزقها وشقاوتها، وتقفز بخفّة غزال شرود، من يأسها إلى “أمل” الشّيخوخة…
عندما يعود الأسلاف الغاضبون، في شكل صواعق ورياح، ويعودون في شكل أدلّة وشواهد، تدين كلّ شيء، ولا تستثني أحدا…
عندما تفقد أمّنا الأرض ميزة الصّبر لديها، فتدعو البحر لإقامة أعراسه فوقها، وتدعو كائنات السّماء، لتأديب خليفة الّله عليها…
عندما يحدث كلّ هذا، فلابدّ من وجود أسباب ساخنة لهذا .
(5)
عندما يصبر العناد على حنين جارف يهدّ الجبال، فتعود الطّيور النّادرة مجروحة، ومخذولة في أمانيها…
عندما تكفّ النّسائم والحمائم والقصائد، عن حمل البريد إلى المنتظرين والمنتظرات البشارة، وتتكفّل الغربان والبوم والوُشاة بالمهمّة الجسيمة…
عندما يهمس البحر لسيّدات المساء بالوعود المُشمسة، فتتنهّد الأرض من جفاف الرّجال والسّنوات…
عندما يُفْشي البَجَع البرّي أسرار البحيرات البعيدة، وتخطئ الأنهار أهدافها نحو الصّحارَى…
عندما يحرس الذّئب الحديثُ، (يوسف) الجديد من إخوته، ويومئ الغرباء إلى سكّان المجرّات الأخرى بالحنين…
عندما تنخرط القصيدة في نواح أليم، لأنّ شاعرها لم يقلها كما صوّرته…
عندما الأحلام لا تُسفر عن وجوهها إلّا في الأحلام، وبعد انطلاق القطار، فتنخرط الآفاق في الزّئير، مطالبة بحصّتها اليوميّة من دماء المتعطّشين إلى وعودها…
عندما يأتي زمن، (ونحن فيه)، يتحوّل فيه الكبار إلى لصوص، يسرقون الحكمة من عقول الصّغار…
عندما يحدث كلّ هذا، فلابدّ من وجود أسباب ساخنة لهذا.
(6)
عندما…
فإنّ الأسباب لابدّ أن تكون ساطعة كالفضيحة…
لكنّني لم أجد سببا واحدا، يدفع ذلك (الكاتب السّيّئ) إلى حمل القلم.
رحيم جماعي
تونس
آفاق حرة للثقافة صحيفة ثقافية اجتماعية الكترونية