سبعة عشر  عاماً / بقلم : محمد حربي

الى مها

***

سأصْطادُ غَيْمةٍ لأرْثي قمراً

وأصْطادُ قَمراً لأرْثي المَرايا

واحمل القرب القديمة لاسقي مصابيح الطريق

نُوراً من عسل مصفى

رُبَّما أتَأخَّرُ قليلاً فلا تَتَعَجَّلي العَشاءَ

لَدَيَّ نَبيذٌ يَكْفي لِمَلَكَيْنِ

هلْ تَذْكُرين الأحْلامَ المُخَبَّأَةَ بينَ السقفِ والسماءِ

أخْرِجي حُلْمَيْنِ مُناسِبَيْنِ لِسَهْرَةٍ فاتِنَةٍ

علَى صفْحَةِ النَّهْرِ

فالجوّ غيرُ مُناسِبٍ للرَّقْصِ في العَراءِ

***

رَقْصُنا أغْنيةً ،لَحْنُها يَجيءُ منْ هُناك

وثَوْرَتُه تَنامُ في ال “هُنا” وتَنْتظرُ

ونحن نعزف موسيقى على مقعدين يلامسان فستان البحر

في بنفسجة الغروب

قَطَفْتُ لَكِ قَمَريْنِ منَ الشُّرْفَةِ ،وأنْتِ تَنْتَعِلينَ حِذاءَكِ

فماذا سَتَفْعَلين بالشُّموسِ

التي أَلُفُّها في ورَقِ الهَدايا مُنْذُ سبعة عشر عاما

***

سبعة عشر عاما   وأنا أحْتَسي حُلْمِي بارِداً أو ساخِناً

بالحَليبِ مرَّة ، ومُرَّاً في الأغْلَبِ الأَعَمِّ فقطْ لأنَّ الشُّموسَ غادَرَتْ وَرَقَ الزِّينَةِ

واشْتَعَلَتْ في أَجْسادِ الأقْمارِ الخَيْباتِ على النَّهْرِ ، وفي غُرْفَةٍ ضَيِّقَةٍ

تُشْبِهُ أوْطاناً – أَقْتَبِسُ منْ رِواياتِ الخَيالِ العلْميّ وأُؤَلِّفُ بَيْنَها

لِيَصيرَ الوَطنُ على شاكِلَةِ خَرائط

هلْ قُلْت : تَزيدُ بمدينة أو مَدينَتين ِ عَمَّا يحْتاجُهُ بيتنا الجَديدَ،

لا يهمّ سَنَضَعُ المَزيدَ تَحْتَ الأَسِرَّة لِلشِّتاءِ القادِمِ

فمَنْ يَدْري كيفَ يكونُ الوَضْعُ لِإِرْهابِ الجُغرافيا،

***

سأُفَوِّضُ ريحاً صفراءَ لإغْلاقِ النوافذِ في شِتائنا

حتّى لا يَمُرُّ اللُّصوصُ في الغُيومِ

ويَسْرِقوا مُدُناً نُخَزِّنُها لأوْقاتِ الفَراغِ

***

سبعة عشر عاماً وأنا أرْسُمُ بُيوتاً ، وأهْدِمُها،

وأُعيدُ الطِّلاءَ كُلَّ عامٍ تقريباً بِحُلْمٍ صَغيرٍ وأُغْنِيَةٍ

سبعة عشر عاما وأنا أحْكِي للْغَيْمِ قِصصاً وخُرافاتٍ

عنْ جِنِّيَّةِ أحْلامي – والغيمُ لا يعودُ بما سَمِعَ

فَتَأخَّرَتْ ألْحانِي والمِلْحُ لا يَقْرَأ

صَعَدْتُ إلى جَبَلٍ ورَأيَتْنُي أعْبُرُ الطَّريقَ – مُعْتَمِراً –

على عَجَلٍ لَألْحَقَ الشوطَ الأخير

****

سبعة عشر عاماً لأكْتَشِفَ أنَّ كلمَة أحِبُّكِ

أقْصَرُ كثيراً منْ عُبورِ نَهْرٍ – كانَ بيْنَنا –

وأسْهَلُ منْ تَسَلُّقِ نَخْلَةٍ لِقَطْفِ نُبُوءَةٍ

تَمْرَةً .. تَمْرَة، وهي تَحْبلُ بالأسْئلة في التقاوييم

فلِماذا مَرَّ كُلُّ هذا الصَّيْفِ لأرَى قَطْرَةَ ماءٍ واحِدَةٍ؟

وأسْمَعُ رَدَّ عُصْفورٍ علَى سُؤالِي:

كَيْفَ يُمْكِنُك الغناءُ و”برَّه الشبابيك غُيوم”؟

فَيُرَفْرِفُ اللَّحْنُ غَيْماً راقِصاً ونُصْغِي..

***

سبعة عشرعاماً لأعْرِفَ لَذَّةَ طَبْعِ قُبْلَةٍ علَى خُدودِ الزُّجاجِ

وقَطراتِ المطر “لَّما الشِّتا يدُقّ البِيبان”

فأَكْتُبُ علَى الزُّجاجِ المُغَطَّى بالنَّدَى: “أنا عِندي حَنين”

وأنْتِ هُناكَ في الكُوخِ الصغيرِ

تُحْصِينَ الحِكاياتِ القَديمةَ

وتَحْمِليَن رَغيفَ الأحلامِ منْ أوْثانِ الوَرَقِ

المَخْبوءِ بينَ الكُتُبِ طازَجاً لِتُطْعِمي صِغَارَكِ

***

رأَيْتُكِ تَأْخُذينَ الحُلْمَ في يَدَيْكِ لِنُزْهَةٍ علَى مِقْعَدَيْن

على البَحْرِ وخَلْفَكُما سارَتْ مُدُنٌ مَخْبوءَةٌ وأسِرَّةٌ وأحْجَارٌ

ورأَيْتُكِ تُعَرِّينَ البحرَ وتَسْحَبينَ مِلْحاً كامِناً

لِتَحْنيطِ وطنٍ مَرِّيخِيٍّ ، وسَرِيرٍ كَوْنِي الغِوايات

ثُمّ تكْتُبينَ قصيدةً واحدةً

فأَرُدُّ القمرَ إلى مَدارِهِ

وتَكْتَمِلُ الغُيومُ ويَسْقُطُ المَطَر

وتُلغي الجُغْرافيا قوانينها لِنَعْبُرَ الطَّريقَ

في اللَّحْظَةِ ذاتِها عِنْدَ الجامِعَةِ

فتَنْتَفِضُ قَطْرَةُ ندَى

على زُجاجِ نافِذَةٍ

كانَتْ تنْتَظِرُ مُنْذُ سبعة عشر عاماً

****

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!