قد تكون كلمةَ تأبين ذاتَ بيان في حق بطل المعامع الثقافية ، الذي
وَسَمَــتْهُ الدهور باسم ( الكتاب ) ! ، أم تُرانا ما دُمنا في عصر
السرعة نكتفي بالقليل ــ سَنْدَويتْشْ ــ ثقافي ، بدل الجلوس إلى فارس
الثقافة هذا الصامد ، أو الركون إلى ذوي إرادة في التحصيل العلمي أو
الأدبـي لمناقشة ما يعـود على العامّة بالرّفاه ، و على من سواهم بما
يؤكد رسوخ أقدامهم على أرضية الثقافة الحَقـّـة !! .
إن الاعتماد الكُلّيَ على الوسيلة الإعلامية ، بالأخص الشاشة ــ صغيرتِها
و كبيرتِها ـ وسوء الاستفادة منها ، واعتبارها بديلا لا حِوَلَ عنه عما
ناءت به رفوف المكتبات وقرائح أولي الضمائر النيّرة ، الناقدة ، خطأ ما
بَعده آخر ، وما الدهر لو تدري ــ أخــي القاريء ــ إلاّ من رُوّاة ما
قيّدتْه الأقلام وباحتْ بأسراره التجاربُ والقراطيس ، وما الشاشة وما
تُبديه ملامح وجهها إلاّ سحابة صَيْفٍ إذا ما قُورِنتْ بالمُشار
إلـــــيه منـــذ سطور !! .
وعليه ، وبصرف الالتفاتة إلى البرمجة ومدى مُطابقتها للميول والأذواق ،
فإن هذا الجهاز يبقى أبدَ الدّهر عاجزا عن أن يحُلّ محلّ الكتاب وما حوى
، ولو كُنا نسمع أو نعقل ، ما كُنا من الراكضين حين موعد المُسلسل بأفئدة
تخفق خوفا من تُلغى حلقة هذا المساء ، أو يُبثّ اعتذار عن المُباراة ،
وما أدراك ما تُحْدِثُه ، فالكُل ساعتها ريّاضي الفِكر والحَرَكات ،
كُرَويُّ النّطقِ والانتقادات ، ومن حاول فكّ ضفائرها في حَضْرَةِ
مُحبيها مفقود ــ يا مكــتبتي ــ مفقود !! ، والكُتب من وراء الجدران
والمحافظ تَذكُر أياماً لها انصرمت ، أيامَ كان مكلومُ الفؤاد بها يبيتُ
الليل يُسامرها على نور الشّمع الباهتِ الإنارة ، وها هي ذي عهود الإنارة
تُفاجأ بهُجران الحبيب إلى غيرها !! ، فمن يُعانقها ، وهي المُحِبةُ
للاحتضان والمُداعبة ؟؟ ، ومن ذا الذي يُغازل صفحاتِها و يَطْرَبُ حين
الوقوع على ضالّة طالما ابتغاها في سواها ؟؟ ، فإذا كان للحُبّ العُـذريّ
وُجود في عالمنا هذا ، فإليها تُشَـدُّ الرّحال ، و في رَبْعِهَا تُرمى
عصا التَّرحال !! ، ومن هنا دروب المنطق تسألني :
ــ تــُرى ، هل تطغى الشّاشة على الكِتاب ؟؟ .
سؤالٌ أراه أهلاً لأن يظلّ مطروحاً ، ما دام الكتاب و ما عَمّرَتِ الشّاشة !!