بقلم : كريم عبدالله .. بغداد – العراق .
أنّ العمل الشعري الرصين يحتاج دائماً الى دلالات ورموز ونقاط دلالة وعلامات / عناوين فرعية / من خلالها نتمكن من الوصول الى قيمته الأبداعية وجماليته وتجتمع كلّ هذه الدلالات والرموز / الفرعية / تحت دلالة بارزة تهيمن عليها جميعا وتكون منطوية تحت لوائها / العنوان الرئيسي / , أي أن هذا العنوان الريئسي سيجمع أو يكون معبّراً عمّا تحتويه هذه العناوين الفرعية / شاملاً / ومن خلاله سوف نتمكن من الوصول الى ثيمة العمل الشعري وقراءته ومن ثمّ الحكم عليه . لذا فأنّ العمل الشعري المتماسك لابدّ أن يكون متسلسلاً عبر عناوينه كسلسلة واحدة تربتط بالأخرى ويهيمن على جميعها جوّا / نفسياً – لغوياً / واحداً , لها إمتدادت وإشعاعات تأخذ مديات بعيدة تجعله وحدة لا تتجزأ يشدّ بعضها الآخر . لذا صار من المهم جداً البحث عن هذه العناوين بعناية فائقة وأشتراكها مع بعض في نفس الثيمة ومن ثمّ أشتراك الجميع مع العنوان الرئيسي , فعلى الشاعر أن يكون حاذقاً وواعياً لكل عنوان يختاره في عمله الشعري ويدرسه بتأنّ ووعي , لأنّ هذا العنوان سيختزل كلّ ما جاء بالعمل الشعري ويكون معبّراً عنه أصدق تعبير . اذاً العنوان يجب أن يكون قطعة متوهّجة لأنه يلعب دوراً محوريّاً في حركية القصيدة ويختزل لنا الكثير من الدلالات ويفتح لنا الأبواب مشرعة في عملية القراءة وأن يكون تلخيصاً توصيلياً إيحائياً لمضامين النصّ وإبرازاً لتجربة الشاعر . انّ العنوان الرئيسي للعمل الشعري هو البوابة الأولى و الواسعة التي من خلالها ندخل الى حرم وقدسيّة هذا العمل , ومن خلاله سنتعرّف على ما يردي الشاعر قوله وتوصيله الينا , اي أنّ العنوان الرئيسي هو النواة الأولى التي ستنشطر فيما بعد الى وحدات أصغر وهذه بدروها ستكشف لنا عن مقدرة هذا الشاعر الأبداعية أو فشله في هذا العمل , ومن خلال ذلك سنتعرف ايضاً على شخصية الشاعر وقيمة النصّ والأجواء النفسيّة التي كُتبتْ هذه النصوص تحت تأثيرها والبيئة التي إنبثقتْ هذه النصوص منها وإهتمامات الشاعر وثقافته وجمالية العمل ورساليته , اذا العنونة هي من الأسباب التي تجعل هذا العمل يمتلك خصوصية هذا الشاعر أو ذاك لأنها من مبتكراته وخلقه فلا يمكن التجاوز عليها وسرقتها لأنّها من صناعة الشاعر / س / كتبها في لحظة معينة ومكان معين وظرف معين وحالة خاصة به معينة أيضاً .
بالعودة الى ديوان الشاعرة : سهام الدغاري وعنوانه الرئيسي المثير ( سهامٌ في قلبِ الشمس ) , حاولت من خلاله إثارت القلق والريبة وإبراز وخلق عالم زاخر بالشعور النفسيّ والأنكسار والهزيمة من جانب وعالم من الأفراح والسكينة من جانب آخر , وحاولت إثارت المتلقي بأكثر من سؤال , مَنْ هي هذه السهام , وأيّة سهام هذه , وما هو المعزى من استخدام مفردة / سهام / هنا , وماذا تعني هذه السهام , هل هي الشاعرة / سهام الدغاري / نفسها أم هي السهام التي تُرمى من القوس .. ؟؟ !! . والشمس ماذا تعني هنا , هل هي الشمس التي ترمز الى الحريّة أم الشمس التي تعني الحياة والضياء والنهار , ام هي / سهام الدغاري / .. ؟؟؟ !!! . ثمّ ماذا تعني هذه الحركية في العنوان من الصعود من الأسفل الى الأعلي , من الأرض الى السماء .. ؟؟!! . ومن ذا الذي رمى الشمس بهذه السهام , ومن ذا الذي جعل هذه السهام في قلب الشمس , وما المغزى من استخدام مفردتي / السهام – وما تعنيه من الآلآم والمواجع والتمزّق – والشمس – صاحبة العلو الشاهق والضياء والدفء والنماء والحياة .. ؟؟!! . هذه مجموعة من التساؤلات لابدّ للمتلقي المبدع والمنتج والمتفاعل مع العمل الشعري أن يطرحها على نفسه ويحاول إيجاد الحلول التي تشبع ذائقته وتفتح له مغاليق هذا العمل الشعري .
والآن ناتي على العناوين الفرعية في هذا الديوان , وهي أيضا تحمل من الدلالات الشيء الكثير التي تكشف لنا عن شخصية الشاعرة وحالتها النفسيّة أثناء الكتابة , أنا وحسبما وجدت من خلال قراءتي للديوان وهذا العناوين الفرعية بأنّ الشاعرة كتبت هذا العمل خلال ستة مراحل يمكن أن نسمّيها / نفسيّة – عمريّة – فكرية / , وأن لكلّ مجموعة من هذه العناوين مرحلة معينة ربما عن قصد أو لا شعورياً كتبتها الشاعرة , وأنّ لكل مجموعة من هذه العناوين يمكن أن نجعل عنواناً رئيسيّا لها يدلّ دلالة واضحة على هذه المرحلة / نفسيّة – عمريّة – فكرية / .
فمثلاً تبدأ العناوين هكذا وحسب هذا التسلسل :
1- يبدأ الديوان في مرحلة الأحساس بالأنكسار والهزيمة وهي أشبه ما تكون بمرحلة الخريف , بعد أن تتمرّد الذات الشاعرة وتنفجر على واقعها المأزوم في محاولة للبحث عن الخلاص وطلب الحرية . تبدأ هذه المرحلة بالعناوين التالية / ليست كلّ الأنفجارات مؤذية – هذه العنوان أعتقد هو شامل لبقيّة العناوين التالية / ذات خريف / تبّاً لهذا النصّ / إبتسامة سوداء / فوضويّة الحياة / قد يتفسخ الحرف .
2- المرحلة الثانية هي مرحلة تأمّلية ( طويلة نوعا ما ) والشعور بالخيبة والأحساس بضياع العمر بعد أن تكتشف الذات الشاعرة تسارع الأيام وتصرّمها وبداية عهد جديد بعد أن نضبت ملامح الشباب وتسارعت وتيرة الحياة . تبدأ هذه المرحلة بالعناوين التالية / حين تتقمّصني جدّتي – وهذا سيكون العنوان الأشمل لبقيّة هذه العناوين / أقاصي المستحيل / لمْ يبقَ الكثير / طفلةٌ حمقاء / أجبّتني فخذلتها / حماقات / هذه الملامح ليست لي .
3- المرحلة الثالثة هي مرحلة البحث عن السلام والطمانينة والسكينة والراحة والهدوء . تبدأ هذه المرحلة بالعناوين التالية / كي تحظى بالسلام – وهذا سيكون العنوان الريئسي الذي سيختزل ما في العناوين التالية / رحيل / مفارقة / هل تدرك / لعلّه خيراً / ذات جنون .
4- المرحلة الرابعة هي مرحلة الأحساس بالهزيمة والأنكسار . تبدأ هذه المرحلة بالعناوين التالية / الرجل الذي إستباح قلبي – وهذا سيكون العنوان الرئيسي لبقيّة العناوين التالية / لا تراودني عن صبري / اللحظات المارقة / لون الغياب .
5- المرحلة الرابعة وهي مرحلة جلد الذات والأحساس بالخطأ وما مرّ في الحياة . وتبدأ هذا المرحلة بالعناوين التالية / مذنبةٌ أنا – وهذا سيكون العنوان الرئيسي الذي يختزل العناوين التالية / رسالة لرجل / زفرات أنثى / قصيدة خطّاءة / محض عابرة .
6- المرحلة السادسة وهي مرحلة ترميم الخراب ومحاولة الأنبعاث من جديد وتناسي ما مرّ من الضيم والقهر وآلآلآم والأنتصار على الواقع البائس . وتبدأ هذه المرحلة بالعناوين التالية / نسيتُ الحكاية – والذي سيكون هو العنوان الرئيسي لهذه العناوين / ياء النداء عصيّة / مرآيا الغياب / إليكَ عنّي .
ولم يبق لدينا إلاّ ثلاثة عناوين أعتبرها مهمة جداً ومن خلالها سنجد الملامح المهمة التي أشتمل عليها هذا العمل الشعري , ألا وهي / أنثى مكتملة / عاشقٌ أسطوريّ / شفاهُ الياسمين لا تبتسم .
الآن لو وضعنا تخطيطاً وهميّا نقترحه يتكون من دائرة مركزيّة تعني / الشمس – الشاعرة / نضع خلالها العناوين / أنثى مكتملة / عاشقٌ أسطوريّ / , أنّ هذه الدائرة واحتوائها على / المرأة و الرجل / إنّما توحي لنا بوجود / الأنسان – الذي يشتمل على / المرأة – الرجل / وهنا ينفتح أمامنا باباً آخر للتأويل , وهو أنّ الشاعرة أرادت أنّ تقول بأنّ أنسان هذا العصر المضطرب قد يتعرّض الى / سهام / كثيرة تحاول تمزيق قلبه الذي يوحي لنا بالمشاعر الصادقة والحبّ النقيّ ويمتلك الوفاء والصدق والسلام , ودائرة أخرى كبيرة مقسّمة الى ستة مجالات غير متساوية تمثّل لنا مراحل الحياة وتطورها , يمثل المجال الأول المرحلة الأولى والتي تحتوي على ستة عناوين والتي سنفترض انّها عبارة عن سهام موّجّهة نحو الشمس – الشاعرة , بينما المجال الثاني يمثل المرحلة الثانية والتي تحتوي على سبعة عناوين والتي تمثّل لنا عبارة عن سهام أيضاً تتجه نحو الشمس – الشاعرة , ومجال ثالث يمثّل المرحلة الثالثة والتي تحتوي على ستة عناوين والتي تمثّل لنا عن سهام أخرى تتجه نحو الشمس – الشاعرة , بينما المجال الرابع سيمثّل لنا المرحلة الرابعة والذي سيحتوي على خمسة عناوين تمثّل لنا خمسة سهام تتجه نحو الشمس – الشاعرة , ثم يأتي المجال الخامس متمثّلاً بالمرحلة الخامسة وبخمسة عناوين عبارة عن سهام تتجه نحو الشمس – الشاعرة , وأخيراً المجال السادس وهو يمثل لنا المرحلة السادسة وبخمسة سهام تتجه نحو الشمس – الشاعرة .
هنا سنتوصل الى رسالة حاولت الذات الشاعرة ان تبعثها إلينا من خلال هذه السهام – المحن والهموم والمشاكل والقهر والضيم والخيبات – الكثيرة التي تحاول الأنطلاق وبقوّة نحو قلبها وتمّزيقه والنيل منها , علماً بأنّها مازالت تحلم بـ / عاشق أسطوريّ / يحاول إنتشالها من هذا الواقع وتخليصها من آثار وآلآم هذه السهام الطائشة , لكن يبدو لنا بأنّ هذه السهام قد نفذت الى قلب الذات الشاعرة قبل أن يتمكن هذا / العاشق ألسطوريّ / من نجدتها وصدّ كل هذه الخيبات وتخليصها مما لحق بها , فكانت مثل الياسمين لكنه الياسمين الذي سيبقى حزيناً وشفاهه لن تعرف الأبتسام / شفاهُ الياسمين لا تبتسم / .
في هذا الديوان سنجد صوت / ألأنثى – الأنسان / المغلوبة والمنكسرة والمنهزمة أمام طغيان الواقع وقسوته ودكتاتوريته الفظيعة , الأنثى – الأنسان التي تحاول التمرّد على واقع قبيح حاول ويحاول تشويه ما تحويه من جمال روحيّ وقلبيّ , عالم مظلم بشع ما فتىء يرميها بكلّ هذا الخيبات وتجرح قلبها سهامه المتواصلة , لكنّها ستبقى / أنثى مكتملة – ناضجة ترفل بالحياة والحب والأمال والأحلام العريضة رغم كلّ شيء . وليس من السهولة ان نستشعر ذلك إلاّ عن طريق متلقي منتج أو سامع منتج مجتهد صابر معاند يتفاعل بإيجابية مع النصوص ومن خلال الوقوف أمام هذه العناوين ويزاول التحليل والتأويل بحياديّة وموضوعية بعيداً عن شخصية الشاعرة حتى يستطيع التلذّذ بكل هذه ألأحاسيس الأنثوية المرهفة والدخول الى عالم الشاعرة والأستمتاع بما جادت به قريحتها .