وشوشات منسيّ/ بقلم : رائد السراحين

(خاص صحيفة آفاق حرة)

جاثمٌ هنا منذ خمسين عامًا ، لا أهلٌ ولا وطن ، غريبٌ بين الجبال والصحاري ، وحدها الشمس تأتي بهم ، أشتاقني قبل أطلق الصيحة الأولى ؛ ليتني ما كنتُ ، ملعونٌ ابن ملعونٌ مَن أراني النور ، أحمالهم ثقائلُ ينوء بها ظهري ، يُجلدُ ولا يُشكر، من أي طينة أنتم ؟ ليتني منها كي أحمل بلادتكم ، خمسون والأرض هي هي ، خمسون عامًا والبشر هم هم ، خمسون عامًا وما زال عمري طويلًا .

أمي البائسة ، تلفتين كثعبانٍ أسودَ لا ينتهي ، أنتِ أفعى عمياء تمشين بلا غاية ، مقلوبٌ على وجهي ، لا سماءَ لي ، كلّي أرض قفراء عقيم ، أسودُ كغراب ناعق ، ما أبأس الولادة المقلوبة ! مطيّةٌ كلّ العابرين ، ومرمى الجيف النافقة ، أنا كنت ، وما زلت أحتضر بموت أزالني من قوائمه.

ما أجمل صخب النمل يجري فوقي! وما أنضر الزهرة على حافّتيّ ! وشوشات النمل كانت تزعجني ، هيّا أختاه إنهم قادمون ، هيّا أعبري بسرعة ، فتموت راحلة ، أحزنُ على ما مات حيًا ؛ لونٌ بلا بطعم ، جريح بلا تضميد.

منذ فترة لم يعبرني أولئك القتلة ، ما الأمر؟ المُعتادُ أكثر الأحياء شوقًا ، أحلّت طامّة ؟ سمعتُ هاربًا داس قلبي الميت يهذي “كورونا” من هذا اللعين ؟ أهو أثقل منهم ؟ تمزّقت أطرافي بعد أن شُفيت ، تذكّرت (المفحطين) رانت بسمة على محيّاي ، أيامٌ ذهبتْ ، وسيعودون عقلاء لا ترتسم آثار دواليبهم على كتفي الكسيرة .

– سأرتاح قليلًا
– لا ، الجراح إن التأمت أوجعت
– أريد أن أحيا
– هم أبناؤك ، وهذا قدرك
– أديتُ مَهمتي
– الأب يعيش من أجل أولاده
– افتقدهم ، ولكن العظم واهن
– ابق ميتًا ، الحياة بعد الموت موتٌ

أربعون يومًا وحيدًا ، بلا شمس ولا بدر ، عتمات فوقها عتمات ، ما أوحش الدار بلا سكّان ! غربة لا يقوى عليها فؤادي ، عودوا أيها الأحباب ، سأحملكم بلا أنين ، بلا وجع ، عودوا أيها الأشقياء ، فالضجيج ملأ شغاف القلب.
___________
الكرك. الأردن

عن هشام شمسان

هشام سعيد شمسان أديب وكاتب يمني مهتم بالنقد الثقافي والأدبي ، ويكتب القصة القصيرة والشعر . له عددمن المؤلفات النقدية والسردية والشعرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!