…
أتُخفينَ عني العُتبَ والعُتبُ ظاهرٌ
وعيناكِ تُبدي ما طوتهُ السرائرُ
أَراعكِ أنّا غيّرَ الدهرُ حالَنا
فلا درهمٌ يُغني ولا الرزقُ وافر
لقد جُلتُ في الآفاقِ شرقاً ومغرباً
فلم ينفعِ التجوالُ والحظُّ عاثر
هجرتُ الحمى غصباً إذِ الدارُ أقفرتْ
أيحملُ غيرَ الريشِ طيرٌ مهاجر
تحاربني الأيامُ من غيرِ جُنحةٍ
وتَدهَمُ ساحي خيلُها والعساكر
ومالي إلى أن أتّقي الطعنَ لأمةٌ
وسُدّتْ أمامي من هروبٍ معابر
لياليَّ حُبلى بالهموم وإنها
عقيمٌ على أن تحملَ السّعدَ عاقِر
كأنّي سفيهٌ نابَ عنه وصيُّهُ
أوَاني على أن أملكَ المالَ قاصر
فيا صفوةَ الأيامِ ما ثَمَّ عُروة
لتجمعَ فيما بيننا أو أواصر
عجبتُ إذِ الضّدّانِ إلفاً تعايشا
وعهدي بأنّ الضدَّ للضدِّ نافر
ففي القلبِ إيمان كما الطَّوْدِ راسخٌ
ولازمَ قلبي الفقرُ والفقرُ كافر
فلا غادرَ الإيمانُ قلبي للحظةٍ
ولاكان هذا الفقرُ عني يغادر
ومِن عجبٍ أن تشتكي البُهمُ تُخمةً
وفي غابها جوعاً تَئِنُّ الكواسِر
وآخر أهلِ الفَهمِ بالمالِ أوّلٌ
وأوّلُ أهلِ الفهمِ بالوُجْدِ آخر
تقولين لي صبراً ألا أنتِ فاصبري
وإنّ كلينا اليومَ كُرهاً لصابر
تحمّلَ قلبي الهمَّ إذ كان سالماً
فكيف به إن قطَّعَتُهُ البواتر
فغيّبَ عنيّ البينُ بٍضعاً من الحشى
ومن حُزنها ابيضّتْ عليهم نواظر
وما مِنْ قميصٍ يحملُ اليومَ ريحَهُمْ
ولا جاءني في العيرِ عنهم بشائر
ومن كبدي قد أَقطعَ الموتُ بضعةً
فيا لهفَ قلبي إذ طًوتها المقابر
وأسألُ قلبي هل إلى البُرءٍ حيلةٌ
يجيبُ وكيف البُرءُ والجرحُ غائر
أكتّمُ حزني عنكِ والحزنُ قاتلي
وأُبدي جِلاداً كاذباً وأكابر
زَجرتُ شؤونَ الدمعِ والدمعُ فاضحٌ
وأطلقتها في الليلِ والليلُ ساتر
شكوتُ إلى مولاي بَثّي ولَوعتي
ومَنْ غيرُ ربِّ الكونِ للكسرِ جابر
ألا فاعذري صمتي وسُهدي وغُصّتي
وبعضَ الذي أُبدي ومِثلُك عاذر
غريبٌ ومالي من قريبٍ يُعينُني
ولا مِن حَميمٍَ ثُقلَ همّي يشاطر
تفقّدتُ أصحابي إذِ الكرمُ يابسٌ
وما أكثرَ الأصحابَ والكرمُ عاصر
صُدِمتُ وأيُّ الأمرِ أقسى على الفتى
إذا خاب منه الظنُّ في مَن يعاشر
وكنتُ أُداري الحالَ عن أعينِ الورى
وقد مُزّقتْ عن سوءِ حالي الستائر
فكُفّي ملاماً واعلمي أنّ أمرَنا
وإنْ ساءَنا حيناً إلى اللهِ صائر
فما حيلتي إلّا يَراعٌ_ مِدادُه
نزيفُ شراييني- وفكرٌ وخاطر
فقلبي على أوجاعِهِ الحبُّ دأبُه
وثغري ورُغمَ المُرِّ للدُّرِّ ناثر
فلولا يُباعُ الشِّعرُ بالمال ِبعتُه
وياليتَ لو كانت تُباعُ المشاعر
وما أسكتَ الجوعَ اليراعُ على الطَّوى
ولم تروِ أكبادَ العطاشِ المحابر
وأثقلُ شيءٍ يَقصِمُ الظَّهرَ فاقَةٌ
لها انكسرتْ عند العفيفِ الخواطر
وأثقلُ منها أَنْ لَوى الفقرُ مِعصمي
وأَنّيَ فوقَ الفَقدِ والعُدمِ…..شاعرُ