آفاق حُـــــــــرة
فى الفيديو الذى نشره على مواقع التواصل الاجتماعى قال الكاتب السعودى “رواف السعين” نصا:”وصلنى مقطعين فيديو لشباب وشابات وأطفال اسرائيلين يعايدون الأمة العربية والاسلامية بعيد الأضحى المبارك, وهذه أخلاق الشعب الاسرائيلى الطيب! ويعايدون السعودية بشكل خاص, وأنا من هنا إذا حييتم بتحية فردوا بأحسن منها.. أنا أرد من هنا وأقول الشعب الاسرائيلى العظيم كل عام وأنتم بخير, وحدد بالاسم ثلاثة من أصدقائه الاسرائيلين ليعايدهم! ثم دلف بعد اسهاب فى اظهار مناقب الاسرائيليين وجود كرمهم وشهامتهم وعطائهم, إلى شتم الفلسطينيين موجها حديثه للاسرائيليين:” كل عام وأنتم بخير الله يتمم لكم الامن والامان وتخلصون من الاحتلال الفلسطينى الغاشم الغاصب للاراضى الاسرائيلية؟!!ثم شكرالاسرائيلين على المعايدات قائلا: هذه تنم عن أخلاقهم ليست كأخلاق الفلسطينيين أطفالا ونساءا ورجالا وشباب الذين يشتمون الأمة العربية بشكل عام ويخونون الدول العربية بشكل عام والسعودية بشكل خاص, وهذا يدل على أنهم ليسوا بعرب وليس لهم قضية, الله يحرر بلادكم يا اسرائيليين ويكفيكم شر الفلسطينيين الهمج الرعاع المتسولين القادمين إلى بلادكم من أصقاع الدنيا والمحتلين لها احتلالا غاشما وغاصبا غير مبرر وليس له وجه حق ودمتم بود أيها الاسرائيليون وكل عام وانتم بخير”.
انتهى فيديو رواف الذى يمتلك قناة على اليوتيوب ولاينفك يشتم فيها الفلسطينيين, وكأنه أطلقها خصيصا ليبث غله وأحقاده عليهم, فلم تكن تلك المرة الأولى التى يُظهر فيها “السعين” أحقاده على الفلسطينيين, إذ دعا فى فيديو نتنياهو لحرق الأطفال الفلسطينيين! وغيرها من الفيديوهات التى تنضح أحقادا ووضاعة وكراهية لايتسع المجال لذكرها, يقابلها الاعجاب الشديد بالاسرائيليين وكأنه تربى فى أحضانهم وخرج من عبائتهم!!.
لست هنا فى سرد تاريخ هذا الكاتب النكرة, الذى لا يمثل سوى نفسه وأحقاده وأمراضه النفسية, فهو لا يستحق الحبر الذى يكتب به, لكن حالة التنمر الواضحة والتى بدأت تدب فى أوصال بعض الشخصيات العربية تثير الاشمئزاز, ففى الآونة الأخيرة علت نعرة العنصرية بين العرب وباتت تشكل تهديدا واضحاً على التماسك القومى بين الدول العربية شعوبا وأنظمة, ولا ننسى الفيديو الذى بثته الناشطة الكويتية “ريم الشمرى” ضد المصرين المقيمين فى الكويت حين وصفتهم بالخدامين, وطالبت بطردهم من الكويت, ما أثار ردود أفعال غاضبة ومتفاوتة على منصات التواصل الاجتماعى, كذلك تصريحات الفنانة الكويتية “حياة الفهد” التى هاجمت فيها المقيمين وطالبت بطردهم من الكويت داعية إلى إلقاء الوافدين فى الصحراء وترحيلهم, على أثر أزمة كورونا وكان فيها تلميحاً ضد المصريين, لكنها نفته لاحقا وقالت أنها لا تقصد جنسية بعينها؟!.
تلك العنصرية باتت ملفتة للانتباه وتدق ناقوس الخطر على الترابط الشعبى العروبى بوجه عام والذى كان يشكل حائط صد ضد أى توجهات أو مؤامرات خارجية ضد العرب والعروبة, لقد أصبحت العروبة مجرد كلمة مثيرة للاستهزاء والتهكم ولم يعد لها قداستها فى مواجهة الخطر القادم من الخارج, القومية العربية التى حاول الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ترسيخها فى أذهان ووجدان الشعوب العربية مآلها الانقراض والسخرية, والاصطفاف العربى إلى جانب القضية الفلسطينية أصبح يمثل تهمة وسُبة لكل شخص لا زال يتمسك بتلك الثوابت التى وحدت العرب لعقود, فأصبحت أثراً بعد عين, وتهمة تعرض صاحبها للمسائلة الاجتماعيىة وربما القانونية.
ظاهرة التمزق العربى مستمرة ومتسارعة, ففى شهر رمضان الماضى تم عرض مسلسلات خليجية تروج للتطبيع مع اسرائيل, فقد وجه كُتاب الاتهام لقناة “إم بى سى” السعودية وتحدث آخرون عن شخصيات مطبعة فى دول الخليج تقف وراء بث ثقافة جديدة تغازل اسرائيل, وكان المسلسلان الخليجيان الكويتى “أم هارون” والسعودى “مخرج 7” اللذان تم عرضهما فى رمضان, قد أثارا جدلا واسعا وانتقادات بعد إتهام القناة التى عرضتهما بالترويج للتطبيع. غير أن الأمر أخطر من مجرد مسلسل وتطبيع, فهى تمجد الكيان الصهيونى وتعده صديقا وتصور الفلسطينى عدوا, تزور التاريخ وتقلب الحقائق, إنها تثبت ثقافة جديدة عنوانها كراهية الفلسطينى الصامد المقاوم, وما يحدث اليوم من خلال مجموعة من الأشخاص محدودى العدد من سياسيين وإعلاميين فى منطقة الخليج دأبوا منذ سنوات على تنفيذ مخطط أعد باحكام للتأثير نفسياً على شعوبهم بهدف إخضاعها لتقبل فكرة التعايش مع اسرائيل, ليس فقط الاعتراف باغتصاب اسرائيل لفلسطين, ولكن شيطنة الشعب الفلسطينى, وتلميع قيم الاحتلال والظلم, تمجد اسرائيل وتثنى على تحضرها وقوتها فى المنطقة وفى فلسطين المحتلة.
إن مايبدر من بعض الشخصيات الاعلامية والسياسية العربية, ما هو إلا حلقة من حلقات المخطط الاسرائيلى- الامريكى, الرامى إلى تنفيذ “صفقة القرن” والقاضية إلى تمزيق المنطقة العربية, وتفتيتها ثقافياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً, وقد بدأت رياح التحول تقتلع الثوابت وتقلب حقائق التاريخ بالفعل.
*صحفية بجريدة الاهرام مصر