آفاق حُرة
القلة هي ثلاجة الفقراء والموروث الشعبي الذي كان يتفاخر به الناس في زمن لم يوجد غيرها ومن كان يمتلك قلة كأنه الآن يمتلك ثلاجة باهظة الثمن .
القلة للقناوي تشتهر محافظة قنا بصناعة القلل الفخارية وهي نوعان أبيض وأحمر وهي موروث شعبي في جميع ربوع مصر وبالأخص في الصعيد .
لذلك تنسب القلة لقنا حتى في الأغاني والموروثات الشعبية ومن يذهب لمولد السيد عبد الرحيم القنائي بمحافظة قنا لابد أن يشتري بعض القلال لبيته ولجيرانه ومحبيه وتكون بمثابة أنه قدم لهم هدية غالية وثمينة .
وللقلة مكانة في نفس أهل البيت لها مكان وحدها طلق في الهواء ويعتنى بها لأنها تبل الريق في أيام الحر الشديد .
وقد كانت من ضمن جهاز العروس بمثابة الثلاجة الآن وكان البيت الذي لا يوجد فيه قلة مثل الذي لا يوجد به ثلاجة اليوم.
القلة قديمة، قدم الحضارات ذاتها، فصناعة القلة مسجلة على جدران كل من معبد الأقصر ومعبد حتشبسوت في مصر القديمة، بل إنها في الماضي كانت أحد العناصر الأساسية فى البيت، لكن هجوم المدنية والأجهزة الحديثة من ثلاجات ومبردات، جعلها تتراجع بل وتشرف على الانقراض والتلاشي من الذاكرة التراثية. لكنها مع ذلك، تقاوم الزمن بقوة، حيث لا يزال الكثير من الناس يحبون اقتناءها والشرب من مائها الرائق “المرصرص” والذي يعني المثلج دون أن يؤلم الأسنان أو الحلقوم أو المعدة.
وقد تغزل فيها الشعراء والأدباء لمكانتها في قلوب الناس والبيوت وأجمل ما قرأت قصيدة لدكتور يوسف القرضاوي وهو يتغزل فيها.
أنــثى تـروق أخا الهيــام حســناء فـــارعة القــوام
جســم رشــيق زانـــه عنــق حكــى عنق النعـــام
جــذابة تغــريك طلـعتها فتــــدنو في اهتــــــــــمام
وتحــس أن لقـــــاءها يشـفي الصـدور من الأوام
وإذا حـرمت القــرب منـها فالجــوانح فـي ضــرام
عــرفت بطــهر القـلب لم يعــلق بــه خبـث اللئـام
ينبــيك ظـاهـــرها بمـا فــي قلبــها وبـلا كـــــــلام
بنــت الصعــيد كــريمة من طيــنة القـوم الكـرام
****
قنــــــــوية، لكنــها بيضـــاء كالبـدر التـمـــــــــــام
قنـــوية خلعــت عبـاءتها وألقـــت الاحتشــــــــــام
وكـــأنها بنــت الـــزما لك فـي السـفور والاقتحـام
ثـــارت علـى قعـر البيوت فــلا تحــب بهـا المقـام
إلا إذا هجـــم الشـــــتا بالبــرد يصحـبه الغمـــــام
فتحجبــت تلـك الشـــهور وكـل شــهر طـول عـام
حتـى إذا ولــد الربيــــع مــع الــزهور والابتـسام
ودنـا هجوم الصيف أعجبــها الخـروج على الدوام
فبــدت من الشـــــرفات ضـــاحكة تجـاذبك الغـرام
لا تســـتحي من وافــــد يـــــــرنو إليــها باهتـمام
فــإذا دنــا منــها دنــت فــــورا، وأسـلمت الـزمام
ليســــت تـــرد يـــدًا تـلامــسـها ولـو كفـي غلام
تلقـاك فـي وضـح النهار وإن أردت فــفي الظلام
وإذا اقتــربت تـريـــدها وتـــروم منـها ما يـــرام
أفضــت إليــك بصـدرها دون امتــناع أو خصــام
وحبـتك فـاهـا العـــذب تلـثمه ولا تخـشى المـلام
وتحــوط كفـك خصرها وهي المطـيعة فـي سلام
والنـاس حـولـــك ينـظرون يهنــئونك باحتــــرام
ومن العجـــــــائب أنــــها لتــحب مـن كـل الأنـام
حتـى التقــي المســــتقيم بــها تعـلق واســـتهام
مــا كفــه عنــــــها تقـاه ولا نـــهاه أن اســتقام
لا لا تســـــــيئوا الظن فهي طهـورة طهـر الغمام
كلا، ولا عرفــت خـــــــــنا أو نـــالها يــوما أثـام
****
قنـــــــوية لكــــنها رقــــــــــــــت كـــأقداح المدام
هي لا تحـب سوى العشـــير أخي التلطف والوئام
إن لــم تعــاملـها برفــق قــد يفــاجئهــا الســقام
ولـربما منيـت بجـــــرح لا يكــــون لـــــه التئام
والكسر فيها ليس يجـــــبره نطــــاسي العـــظام
ولـــرب عنـف قد يعرضها لأن تلـــقى الحـــمام
****
مــاذا دهــا بنـت الكـرام ومــن رماهـا بالسـهام؟
كانــت فتاة الحـي ليلـــى كـــل قيــس مســتهام
ليست تنافسها هنالك (مدمزيل) أو (مــدام)
واليـوم قد أضحت تنازعها بنـات العم سام
هــذي هـي الدنيا، فليــس لكــــائن فيـــها دوام
****
أعـرفـت من أعني؟ لعــلك قـد فهمت من المقام
قل لي: “أبنت قنا” ترى أم يا ترى بنت الحرام؟