يقصد بالاقتصاد الموازي ذلك الاقتصاد غير المدرج في الناتج المحلي والدخل القومي والذي لا يقع كلياً تحت مظلة الدولة مثل الأعمال الحرفية البسيطة مثل الحراثة والزراعة وجني المحاصيل والصناعات الحرفية الصغيرة ، فالسباك مثلاً يتقاضى أجراً غير مدرج في أي حسابات و لا يدفع ضرائب على الأعمال التي يقوم بها، وليس له محل تجاري محدد بل يستدعى لإنجاز إصلاحات في البيت وقد يكون موظفاً في إحدى الجهات العامة أو الخاصة وبالتالي يكون غير معروف رسميا لكنه موثوق شعبيا، وكثير من هذه الأعمال مثل المقاولات والصيانة ويتطور البعض ويقيم الصناعات الصغيرة في بعض الأماكن النائية وتكون غير خاضعة لأي نوع من الرقابة وضبط الجودة وتحقيق المواصفات ، وتحقق دخولاً مرتفعة وهذه الظاهرة تنتشر في الدول النامية والفقيرة التي لا توجد فيها رقابة قوية للدولة. ويوجد الكثير من الامثلة مثل تربية الدواجن والاغنام في الأرياف والمدن الصغيرة ومتمماتها من حليب و ألبان وأجبان التي لا تخضع لرقابة الدولة فهي تمثل مصدر الدخل الوحيد لكثير من العائلات، وتساند الاقتصاد الوطني وتحافظ على التوازن في أسعار السوق رغم أنها غير مسجلة في بيانات الدولة إلا تقديرياً.
وقد كان العالم الاقتصادي بيتر غوتمان أول من اشار إلى الاقتصاد الموازي وأسماه الاقتصاد السفلي Subterranean Economy عام 1977 من القرن العشرين.
أقسام الاقتصاد الموازي:
يقسم الاقتصاد الموازي إلى عدة أقسام منها:
الاقتصاد الموازي المشروع مثل الأعمال الصغيرة والحرف البسيطة التي تجري بين الناس وفق الأعراف والتقاليد مثل تجارة الزيت والزيتون ، الحرير ، الصيانة ، أعمال التصليح والاصلاح وغيرها .
الاقتصاد الموازي غير المشروع مثل الأعمال التي تخالف الأنظمة والقوانين كالإتجار بالأسلحة والممنوعات .
الاقتصاد الموازي الخفي مثل تجارة المخدرات والنخاسة والبشر وأعمال التهريب وغسيل الأموال.
الأنشطة الاقتصادية المشروعة ولكن غير المصرح عنها مثل الورش والحرف المنزلية والمشاريع التنموية الصغيرة وباعة الأرصفة .
الأنشطة الاقتصادية القانونية المرخصة ولكنها تتضمن في جزء منها غير معلن عنه مثل عمليات التصنيع والانتاج والعمالة غير المسجلة في السجلات الرسمية
لماذا ينتشر الاقتصاد الموازي؟
ينتشر الاقتصاد الموازي في المجتمعات لأسباب عديدة منها :
- الفساد المؤسساتي والمجتمعي .
- الروتين والتعقيدات الحكومية .
- عدم امكانية التغطية الإحصائية لأنشطة الاقتصاد الخفي .
- ضعف الرؤية والامكانية الحكومية .
- الحروب.
- ضرورات أمنية وعسكرية .
- عوامل اقتصادية .
- عوامل إدارية .
- عوامل سياسية .
الاقتصاد الموازي عالميا :
تشير الدراسات الاقتصادية إلى أن حجم الاقتصاد الموازي يبلغ أكَثر من 30% من الناتج المحلى الإجمالي للدول النامية، وأن هناك 70 % من عمالها خارج الاقتصاد الرسمي.
برامج صندوق النقد الدولي والاقتصاد الموازي:
تشير دراسة حديثة لجامعة “هارفارد” إلى جانب سلبي للصندوق لم يتطرق له أحد وهو نمو الاقتصاد الموازي في الدول التي تنفذ برامج صندوق النقد الدولي فيها . وأجرت الدراسة تحليلا للبيانات الاقتصادية الصادرة عن 145 دولة خلال 42 عاماً، كي تصل إلى نتيجة مفادها أن هناك ارتباطاً قوياً للغاية بين تطبيق الدول لبرامج صندوق النقد الدولي، وزيادة حجم الاقتصاد الموازي في تلك الدول. وقامت الدراسة بتحييد العوامل الأخرى المؤثرة على نمو الاقتصاد الموازي، ومنها معدلات النمو والتضخم ودرجة الحكم الديموقراطي وطبيعة هيكل توزيع الدخل وقوانين الاستثمار، ليكون التأثير محصوراً فقط في برامج صندوق النقد وتأثيراتها على الاقتصاد. وقدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (عام 2009) حجم الاقتصاد الموازي في العالم بحوالي 10 تريليونات دولار، ويعمل به 1.8 مليار شخص، قبل أن يتزايد حجمه في عام 2020، ليصل إلى 18.5 تريليون دولار، ويعمل به 3.2 مليار شخص. وترتبط تلك الزيادة، وفقاً لدراسة جامعة “هارفارد”، بما يفرضه الصندوق من تقليص لحجم الأعمال في القطاع العام، مما يؤدي إلى تسريح نسبة كبيرة من العمالة إلى السوق لتجد القطاع الخاص غير مهيأ لاستقبالها، وتضطر إلى الالتحاق بسوق العمل الموازي بما يؤدي إلى نموه وتطوره.
وينتشر الاقتصاد الموازي بقوة في الكثير من الدول التي تستدين من البنك الدولي ليصبح ظاهرة مرتبطة بنشاطات صندوق النقد الدولي كما حدث في الدول التالية :
توغو :
تعد توغو، التي خضعت لبرامج الصندوق بين عامي 1979 ــ 1995، مثالا صارخا تأثير برامج صندوق النقد العالمي والعولمة الاقتصادية على تنمية الاقتصاد الموازي. ففي توغو، الدولة الأفريقية الفقيرة، نما الاقتصاد الموازي بنسبة %18 خلال سنوات خضوعها لبرامج الصندوق، وتزامن ذلك مع تراجع في النمو في القطاعات الرئيسية للاقتصاد (الزراعة والتعدين)، في ظل تطبيق صارم من الدولة لبرامج الصندوق.
تونس:
تراجعت في تونس “الوظائف التقليدية”، وأصبحت “نادرة”، حتى أصبحت نسبة كبيرة مضطرة إلى اللجوء إلى الاقتصاد الموازي، وبالتالي ازداد حجمه تدريجياً بالقياس إلى الاقتصاد المشروع أو التقليدي.
الهند:
رفعت الهند درجة اندماجها في الاقتصاد العالمي وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي بين عامي 1995 و2010 بنسبة %62 (ويقاس بالعديد من المؤشرات منها نسبة التجارة مع دول العالم والاستثمارات الأجنبية)، وفي الفترة الزمنية نفسها نما الاقتصاد الموازي بنسبة %27. كما طورت الهند علاقات اقتصادية وشراكات مختلفة مع الكيان الإسرائيلي في مجالات الصناعة والزراعة والتعليم والتكنولوجيا والتدريب وصارت الأموال الإسرائيلية التي تديرها وكالة ماشاف الذراع التنموي لإسرائيل أحد المصادر الرئيسة لتمويل الاقتصاد الموازي في الهند .
تشيلي:
تأتي شيلي لتمثل حالة مشابهة للهند أيضاً، بزيادة الاندماج في الاقتصاد العالمي بنسبة %24 خلال الفترة بين عامي 1995 و2010، ونمو في الاقتصاد الموازي بنسبة %22 في الفترة نفسها، رغم عدم تحقيق الاقتصاد التشيلي لنسب نمو عالية. وتشير الدراسة إلى أن نمو الاقتصاد الموازي يرجع في كثير من الأحيان إلى عجز الصناعات المحلية عن مواكبة التغير السريع بإلغاء القيود على الاستيراد، وبالتالي تدفق السلع الأجنبية الذي يترافق مع برامج صندوق النقد الدولي. وعلى الجانب المقابل، يتمتع الاقتصاد الموازي بميزة عدم التزامه بدفع الضرائب والالتزام بمعايير الأمان، وغيرها من القيود التي تكبل الاقتصاد الشرعي، فيبقى أقدر على النمو لمحدودية تكلفة مدخلات الإنتاج المختلفة مقارنة بالاقتصاد المشروع.
مصر:
بدأ الاقتصاد الموازي بالانتعاش في مصر منذ بدء سياسات “الانفتاح الليبرالي” حيث أدت السياسات الاقتصادية التي فرضها صندوق النقد الدولي إلى إضعاف قدرة الدولة على فرض إطار قانوني لمراقبة الأجور والأسعار وتعديلها، وتغييب مراقبة المَعايير بشكل عام، واقتصار دور الدّولة على حماية رأس المال، فَتَعَاظَمَ دور الاقتصاد غير الرّسمي في البلدان العربية وأصبح يُشكل ما بين 40% إلى 50% من إجمالي الناتج المحلي مما أثّر في البُنْيَة الاقتصادية وعلى علاقات العمل، و أضْعَفَ دور النّقابات ومنظمات حماية العمال ويعود السبب الرئيسي لازدهار الاقتصاد الموازي إلى انهيار الاقتصاد الرّسمي، ويُساهم ازدهاره في إعادة إنتاج الانهيار، وكلما زادت حصته من الناتج المحلي كُلّما ازداد التشابك بين الاقتصاد المُوازي ويُشكل الاقتصاد الموازي كارثة اقتصادية لأنه يستفيد من البنية التحتية ومن الخدمات و لا يُساهم في تَمْوِيلِها، لأنه لا يُسَدِّدُ ضرائب إلى خزينة الدولة، كما يتضرر العاملون به لأنهم محرومون من الحماية الاجتماعية والرعاية الصحية والتقاعد ومن تطبيق الحد الأدنى للرواتب، مما يُحقِّقُ أرباحًا خيالية للمُشْرِفِين على الاقتصاد الموازي. تُشير التقديرات إن حجم الاقتصاد الموازي في مصر يُعادل 288 مليار دولارا (سنة 2011)، ويُشكل ما بين 50% و 60% من الناتج المحلي الإجمالي (سنة 2012)، وأصبحت أكثر من 60% من الوظائف الجديدة ما بين 2006 و2010 مرتبطة بأنشطة الاقتصاد الموازي .
النيوليبرالية والاقتصاد الموازي:
يعتقد الخبراء أن التحول النيوليبرالي كان من شأنه تفكيك و تقليص هيمنة الدولة البوليسية لصالح اقتصاد السوق والاقتصاد الموازي كنتيجة لرفع يد الدولة عن الاقتصاد والتوظيف وتدخلها المباشر في حياة الناس. إلا أن ما حدث في الكثير من الدول هو العكس تماماً. فالسوق أصبح مشكلة تنتج الكثير من الاوضاع المضطربة وتعزيز السلطة الأمنية في كل مفاصل الحياة الاقتصادية بنفس الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد الموازي، وعلى الرغم من انتهاء الحرب على الجماعات الارهابية في الثمانينات و التسعينات وبداية الألفية الجديدة، فقد استمر الوضع الناشئ على ما هو عليه وهو نمو مطرد للاقتصاد الموازي ونمو كبير للسلطات الأمنية في الكثير من الدول نتيجة العوامل التالية :
- نمو الطبقة النيوليبرالية وزواجها السياسي مع السلطات الأمنية .
- توسع مشاريع الخصخصة في التسعينات وبداية الالفية الثالثة نتج عنها فائضاً بشرياً كبيراً في سوق غير مكتمل، ودولة متآكلة وغياب أي فرص للضبط المؤسساتي من خلال قنوات العمل. مما أدى لنمو النقمة لدى جيل الشباب العاطل عن العمل واجتذابه من قبل المجموعات الإرهابية المتطرفة .
- توسع القطاع غير الرسمي بشكل كبير ليواجه غياب التوظيف في سوق العمل الرسمي.
- الاعتماد على الاقتصاد الخدمي، وبالأخص قطاع السياحة .
- انفجار ما يعرف بالمناطق العشوائية وتحولها إلى مصدر قلق وتهديد أمني للدولة في مقابل التوسع العمراني لما يعرف بالمجتمعات المسيجة للعواصم والمدن الرئيسة .
- تزامن المشروع النيوليبرالي مع الهوس العالمي والأمريكي حول ما سمي “الحرب على الارهاب”. الأمر الذي أدى إلى تحالف بين قادة الاقتصاد الموازي والمشروع النيوليبرالي والسلطات الأمنية لمواجهة المد الارهابي المتطرف في أكثر من منطقة في العالم .
ينتج عن ازدياد الاقتصاد الموازي تداعيات كثير على المجتمع والاقتصاد الرسمي للبلاد يأتي في طليعتها نمو الاقتصاد الموازي على حساب النمو الاقتصادي الرسمي وعدم القدرة على تحديد ومعرفة حجم الاقتصاد الحقيقي بالإضافة إلى عدم تمتع العاملين في الاقتصاد الحر بالضمان الاجتماعي والتأمين والضمان الصحي الجيد.
التهريب والاقتصاد الموازي:
ظهر التهريب إثر اعتماد القصر الملكي في فرنسا “ضريبة الملح” منذ بداية القرون الوسطى واعتماد ضريبة “الهندي” إثر اندلاع الثورة الفرنسية ، وكذلك إثر الزيادة في الرسوم الضريبية من طرف بريطانيا. وقد قادت هذه الإجراءات إلى التهرب من دفع الرسوم الجمركية من خلال تهريب البضائع الخاضعة لها. وشهد التهرب من الضرائب الجمركية والرسوم الحكومية حجما اقتصاديا أوسع في نهاية القرن الثامن عشر تماشيا مع ارتفاع حجم التهريب وارتفاع العبء الضريبي على المؤسسات وزيادتها في كل بلدان العالم. يعد التهريب:
- الممول الرئيسي للاقتصاد الموازي.
- وسيلة للتهرب من دفع الضرائب والرسوم.
- من الأسباب الأساسية لتنامي الفساد والرشوة.
- وسيلة لتبييض الأموال.
- لصيق الصلة بتجارة الأسلحة والمخدرات.
- مرتبط بتنامي الهجرة السرية.
وهذا ما يجعل التهريب والاقتصاد الموازي في حالة توأمة حقيقية.
نهب الآثار والاقتصاد الموازي:
يشكل نهب الآثار عنصرا قويا من عناصر الاقتصاد الموازي وخاصة في البلدان التي تعاني من حروب واضطرابات سياسية حيث تغيب سلطة الدولة ويقل الاهتمام بالمحافظة على الآثار ليتوجه اهتمام الدولة نحو أولويات أكثر أهمية . يرفد نهب الآثار الاقتصاد الموازي بمئات الملايين من الدولارات سنويا وكلها تمر في القنوات غير الرسمية .
تعّد سوق الممتلكات الثقافية وفق احصائيات منظمة اليونيسكو سوقا ضبابية، تباع فيها بضائع “نظيفة” غير مضمونة المصدر. وبالرغم من صعوبة تقدير قيمة هذا الجانب غير المشروع بصفة دقيقة، يبقى بالإمكان بلورة فكرة عن حجمها. وفق صحيفة إنترناشيونال هيرالد تريبيون الصادرة في 15 شباط 2005، قدّر عالم الآثار جون روس الممتلكات التي تمت سرقتها من العراق خلال الفترة الممتدة من أذار 2003 إلى أوائل عام 2005، ما بين 400 ألف إلى 600 ألف قطعة أثرية تقدر قيمتها بين 10 ملايين و20 مليون دولار.
هناك صعوبة فائقة جمع الإحصائيات حول الإتجار غير المشروع بالآثار حتى وتتفاقم هذه الصعوبة في حالة النزاعات المسلحة نظرا لتورط عدد هائل من الفصائل المتقلبة في الداخل، وللتغير المستمر للأطراف الخارجية المتعاونة معها وتتعقد الأمور أكثر عندما ترتبط الحرب بالاقتصاد الذي يغذي الحروب ذاتها
التعامل مع الاقتصاد الموازي:
يمكن التعامل مع الاقتصاد الموازي عبر مراجعة دقيقة ومتأنية للقوانين الاقتصادية ذات الصلة في الدولة وإجراء اصلاحات ضريبة منطقية تشجع المتعاملين على المرور من القنوات الرسمية وتأمين حواز ضريبية للتجارة التي تمر خارج إطار الدولة ، والعمل على تبسيط الاجراءات الإدارية والتنظيمية لتشجيع الأفراد على تسجيل أعمالهم وتطويرها ، ورفع الأجور بما يتناسب مع مستوى المعيشة .
إن انتشار الاقتصاد الموازي دليل تخلف في المجتمعات ودليل اعتلال في المنظومة الحكومية الأمر الذي يحتم مراجعة الأنظمة والقوانين التي تشجع الأفراد على سلوك القنوات الحكومية أكثر من الميل إلى القنوات غير الشرعية التي تدر أموالا بأضعاف ما تدره القنوات الرسمية .
المراجع
https://ar.unesco.org/courier/october-december-2017/nhb-lathr-htw-ytwqwf-lnzyf>
https://wikiwic.com/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B2%D9%8A/
www.youm7.com › story ›
https://kanaanonline.org/2018/05/01/%D8%B9%D9%8E% /
http://akhbarelyom.com/news/newdetails/2698299/1
https://annabaa.org/arabic/views/8624
https://alborsaanews.com/tag/%D8%A7%D9%84%D8%A7