“نصٌّ أرجو أن يليقَ بمقامِ محمّدٍ، صلواتُ ربّي وسلامُه عليه“
أيُذمُّ القمرُ بذنبِ إضاءته لظلمة اللّيل؟
هذا ما جاء في ذهني عندما قام أحدهم بالاعتداء على نبيِّ الله بلسانه وريشته.
محمّد رحمةُ الله المُهداة إلى العالمين، أُرسِلَ ليُعلّمنا دروسَ الحياة، وليعرِّفنا كيف نحيا بشكلٍ سليم، فلا يمسّنا الأذى وسط زحمة الباطل والظّلام، كأنّنا حين نتمسّك بإرشاداته نحملُ مصباحًا عظيمًا، يضيءُ لنا الطّريق وسط غابةٍ موحِشة، فإن غفلنا يومًا عن مصباحنا أظلمَ الكون من حولنا، وعشّش في أورِدتنا الخوف.
بدأ كلُّ شيءٍ حينَ سطع نجمُ أحمد، واستبشرَ جميعُ من على الأرض بأنّه أتى، نبيُّ الله المُنتظَر، خاتمُ المُرسَلين، وخيرُ الورى.
جاءَ الرّجل العظيم الّذي سينيرُ دروب الأرض إلى يوم القيامة، ليعلّمنا أن نُحبَّ لغيرنا ما نُحبُّ لأنفسنا، وليُعرِّفنا بأنَّنا حينَ نُعطي للآخرين سنجني ثماره، كان يخطبُ بالمُسلمين إلى جذعٍ أيّام الجُمَع، فلمّا اتّخذ المنبر حنَّ إليه الجذع وصارَ يئنُّ، فما كان منهُ إلّا أن احتضنهُ وأمرَ بدفنه، لقد استشعرت الجمادات هالته العظيمة منذ الأزل، وما كان لأحدٍ أن يشهدَ بدرَ وجهه دون أن يُحبّ طلعته، حتّى من عاداه كان يعرفُ تمامًا أنَّ فيه بذرةً عظيمةً تجذبُ الأرواح إليه، فظلَّ يأسر القلوب على مدى التّاريخ حتّى يومنا هذا.
ومن رقّة قلبه بكى شوقًا للّذين سيؤمنون برسالته دون أن يروه، واستطاع أن يشعُرَ بحنينِهم المُستقبليّ له، كأنّ جبريل قد أخبره أنّنا سنسيرُ في حُبّه حتّى نلقاه عند الحوض فيروي لنا ظمأ البُعد.
استطاع محمّد ألّا يرُدَّ أذيّة من آذاه، وأن يَكتُم غيظَ قلبه، وأن يحفظ المودّةَ رغم المواقف الصّغيرة الجافّة، هو الّذي دفعت به رقّة قلبه إلى مواساةِ طفلٍ قد ماتَ عصفوره، وحده تمكّن من احتضان البشريّة، بكبيرها وصغيرها، فكان يضبط مدّة الصّلاة بما يوافق حالة الأطفال في المسجد، وكان يُصلّي بالمؤمنين وهو يحمل أبناء بناته في يده، مرّة الحسن ومرّة الحُسين ومرّة أمامة، وكان من شدّة رحمته بالأمّهات لا يطيلُ الصّلاة إن سمعَ صوتَ طفلٍ يبكي لتستطيع والدته إطعامه.
هذا هو محمّد، رحمة الله الأبديّة للعالمين، الّذي عرّفنا معنى الحُب والطّمأنينة، والعفو، والرّحمة بالضّعفاء، ومواجهة أذى الآخرين بالتّسامح، لقد تعلّمنا من محمّد أن نعمل لمرضاة الله وحده.