لم أتوقع قط أن تكونَ قيمتي للبعض لا شيء، ولم أجد فرصةً لأواسي نفسي إلا بالذين رأوا بي ما لم يره أحد، رغمَ عيوبي تقبلوني وأحبوني حتى وإن كانت طريقتنا بالتعبيرِ قاسيةً أو مضحكةً، فنسيتُ من لم أخطر على بالهِ بل يصح القول بأنني طويتهم على الرف كروايةِ جذبني غلافها وصدمني واقعُ محتواها من حقدٍ مندس بثنايا كلماتها الحانية، وأيقنتُ أخيرًا أن ما من ضريبةٍ للعزلةِ أو الكتمانِ لم أقدر على دفعها، فقدمتُها دون ندم فبات الندم على الصمتِ خارج قاموسنا وكأننا اخترنا لغةً جديدة ثقيلة على أنفسنا لكنها بثقلٍ أقل من الريشةِ على غيرنا، أصبحنا غرباءً بالقربِ منهم وكأننا نسافر بالأرواحِ لا بالأماكن، فاخترنا بقعةً جديدةً بداخلِ حصنٍ من الأشجار الخضراء نتنفس هواءً نقي لم نعتده، ننامُ على الشاطئِ ونتبادلُ الأحاديث مع البحر، فيغطينيا الماءُ وكأنه يريدنا أن ننسى خيباتنا ويمحو ما تبقى من ندوبِ الأيام مثلَ ما يمحو خطوات الأقدامِ على شاطئه، تقفُ منتهزًا الفرصةَ، تريدُ الدخول لعالمهِ الغامض المليء بالأسرار رغم شفافيته، ترمي بنفسك متجاهلاً العالم، فيلفظكَ البحرُ خارجه، وتكلمكَ صدفةٌ أرسلها لكَ، فتخبرك بأنك ما زلتَ ببدايةِ الطريقِ لخوضِ ذاك العالم، أمامكَ الكثير من الاختباراتِ والأحداثِ التي عليكَ أن تجتازها لتبتلع غضبك كالبحر ولا يبدو عليكَ إلا السكينة والهدوء، تقوى بأمواجكِ، و داخلك ثمين كاللؤلؤ والمرجان، قاتل كقنديلِ بحرٍ مضيء لا تظهر عليه علاماتُ الجريمة، فلم تعد لقمةً سهلة، وهنا تدخلُ عالمنا بصفتكَ حورية البحر والأرض والسماء، تطير وتغوص وتتنفس بملئ رئتيكَ وكأنك ملكتَ هواءَ الدنيا بعد أن اختنقتَ بدخانِ أنفاسك.