لصحيفة آفاق حرة
بسم الله الرحمن الرحيم
دراسة لرواية ” أسير سث”
الناقد: د. سلطان الخضور
بدت المجموعة القصصية التي عنونت بــ “أسير سث” والتي تعاقب على كتابة أبوابها مجموعة من الكتاب, بدت هذه المجموعة كرواية حيكت خيوطها لتعبر عن أزمنة عديدة بدأت باليونان مروراً بالرومان والفراعنة والعصر الإسلامي, ونحن نعلم أن لكل عصر من هذه العصور فلسفته الخاصّة ووجهة نظره في العديد من القضايا, إلا أن الرواية تجاوزت الزمن ودخلت في تفاصيل ما بعد الحياة, سعياً من كتابها لمناقشة مسائل جدليّة ومفصليّة قد لا يجرؤ الكثيرون على البوح بها.
وقد تعرضت المجموعة لقضايا عديدة, في مجموعها تشكل إشكاليات للنقاش, وحاولت الإجابة على تساؤلاتها من خلال السرد القصصي الذي اشتمل على أساليب لنقد بعض الممارسات والمعتقدات.
ومن جملة القضايا التي طرحتها الرّواية تجارب الحياة, وقالت القصة الأولى ما نصه” ورغم الاختلاف في حياتنا, إلا أن الجميع مرّ بنفس الأشياء”, وأحسب المقصود بكلمة الأشياء هو الأحداث والسّلوكات, وإن كنت أختلف مبدئيا مع هذا الطرح إذ لا يمكن التعميم لأن تجارب الناس مختلفة باختلاف بيئاتهم ومعتقداتهم.
وفي قضية أخرى طرحت مسألة اللاجدوى, إذ ورد فيها ” وما يريد طالب الطب في كتاب كهذا ليس له أساس من المنطق؟”, وهنا يبقى الأمر وجهة نظر فالمنطق حالة جدلية تختلف حسب اختلاف المكان, فما تراه منطقاً قد يراه غيرك لا منطق, لأن الذي يتحكم بمنطقية الأشياء وجدواها وعدم جدواها المعايير المجتمعية والفلسفات والدين, وهذه وتلك تختلف باختلاف الجغرافيا وباختلاف التاريخ, ومنطق اليوم قد يصبح لا منطقاً في الغد, وما هو منطق هنا قد يكون لا منطقاً هناك, لأن كل هنا تختلف في خصائصها عن هناك.
وقد تعرّضت الرّواية لنقد سلوك البشر, حين كتب أحد شخوصها عن ابيه وقد كان الوصف دقيقاً حيث وصف الأب بأنه في حالة سكر دائمة, وقال عنه ايضاً ” كل ما اراه هو حطام من الخزي يمشي على قدمين” ص 33″ لأنه يمضي وقته في حالة سكر شديد, وهنا لا بد من التعرض بالحديث عن الوعي واللاوعي, أيهما أصدق تعبيراً الوعي أم اللاوعي ؟ أنا شخصياً أؤمن أن التعبير في حالة اللاوعي أكثر صدقاً من التعبير في حالة الوعي, لأن الوعي يستخدم الكوابح الدينية والاجتماعية وغيرهما ما يجعل السلوك ينضبط , وأن الذي ينطق أو يتصرف في اللاوعي هو العقل الباطن الذي يتحرر من الكوابح وصمامات الأمان, وهنا يستخرج الفرد ما في دواخله دون فرملة, وهذا ما نشهده في حالة مرض الزهايمر, حيث السلوك الناجم عن التخلص من ضوابط السلوك.
وتطرح المجموعة مجموعة من الصّراعات, ما بين الذات والذات والتي تشتبك مع فلسفة الوجود, حين تقول” لا يهم أن الموت محتوم, والعالم محتوم الفناء, والحب يأتي بعد أن تموت الفرص, وليس هناك داع لإكمال الحياة, لكن كل ما يهم فعلاً لن يكون موجود أبدا”, وفي ص 29 تمثل الصراع مع الذات في حرق الكتب, والتوهم بأن السماء تمطر لإطفائها, “فالسَماء اليوم قد رقصت ولعبت معنا”
هذه وجهة نظر لأولويات وجود البشر, فهل وجد البشر لاقتناص الفرص أم وجدوا للعبادة أم للاختبار؟, إذن, ما الفائدة من الحياة إذا كان كل ما يهم لن يكون موجوداً, هذه قضية فلسفية كبيرة تحتم علينا البحث في أولوياتنا, وهي حتما تختلف من زمان إلى زمان ومن مجتمع إلى مجتمع, وأنْ تَشارك البعض أحياناً في بعض من هذه الأولويات, ومثل ذلك القول” هذا العالَم نشيده فينهار, ثم نشيده ثانية فننهار نحن” لكن المجموعة تبقي ولو بحذر على بصيص الأمل” يبدو أن هناك بصيص أمل في هذا العالم القامع لكل صفات الحسن والجمال”, وهذا الأمر فيه شيء من التشاؤم, لكنا نتفق مع درويش إذ يقول “أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة” وإن لم يكن ذلك كذلك, فلا جدوى من الوجود.
وقد تطرقت المجموعة, بشكل غير مباشر للمعتقدات, حين أقرّت أن تحقيق السلام صعب بين اثنين يعتقد كل منهما أنه على صواب والآخر على باطل, ولذلك يظن أن الله غاضب على الآخر, “من الصعوبة أن يتحقق السلام بين اثنين في مكان ما, وكل منهما يعتقد أن الله غاضب على الآخر, وهذا أمر مألوف, فالبشر يعتقدون بما يظنون أنه الصواب والأمور بشكل عام نسبيّة,
كما لاحظت أن هناك تمرير لفكرة تلاقي الأرواح, فهي تطرح اعتقاداً من العقل الباطني أو من الخيال وكأن المشاهد المعروضة هي مشاهد خياليّة, أو حوارات تحصل في الاحلام, فهل الأرواح تتلاقى وتتحاور؟
نعم, قد تتلاقى الأرواح في حالة من الوعي, فنحن كثيراً ما نحب أحداً أو نكرهه دون سبب ودون مبرر, والحديث النبوي يقول” الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف” فهناك تشابه لا تطابق يجعل الروح قريبة من الروح, والأمر هنا نفسي ونسبي, ففكرة التخاطر هي فكرة تلاقي الارواح, ألم تلتقي شخصاً أو تتلقى مكالمة من شخص, أو يقرع جرس منزلك من يكون قد خطر ببالك قبل ثوان؟ هذا هو التخاطر, وهو تلاقي روح الحي مع الحي, وقد تتلاقى روح الميت بروح الحي في حالة النوم, فقد تحاور أباك الذي فقدته قبل عشرين عاماً, إما في حالة من الوعي أو عن طريق الحلم إذ تكون قد خرجت إلى اللاوجود الروحي, قال تعالى ” ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا. الآية 85 من سورة الإسراء.
والحسد درس آخر من دروس الرّواية التي أثارت هذا السؤال في بابها الرابع, والحسد هو أن تتمنى زوال النعمة عن الغير لتعود لك. وهل الحسد يقتل؟ ورد في المجموعة على لسان سليم وهو يحكي عن أسرة أخيه الذي مات منتحراً ما يلي” الحسد قتلهم جميعاً, قتل أخي قتل أبناءه, قتل زوجته, وقتلني ألف مرة بعدهم” نعم لكنه بالتالي قدر الله. قال تعالى “قل أعوذ برب الفلق… ومن شر حاسد إذا حسد” والحسد لا علاقة له بفقر أو غنى فقد يحسد الغني, وقد يقتنع الفقير بما لديه, لكنه في جميع الأحوال يتولد عن عدم الرضا.
وفي هذا الباب أيضاً تناقش المجموعة باب الطمع وسوء الظن, فمن الناس من لا يرتوي من كأس ماء بارد ويريد الكأس الذي بيد أخيه, ومن الناس من لا ينفع معهم مهما قدمت لهم من خير ينكرونه بلا مبرر, حسداً من عند أنفسهم.
وفي الباب الخامس تثار قضيّة القضاء والقدر بسؤال, “عجيب أن يكون قدري مطبوع قبل أن أولد ويزعمون أننا مخيرون” وفي موضع آخر” لن أبعث إلى الرضوخ لروح تحمل خطيئة مقيتة وأيضاً أصاب بالعمى, العدل لن يرضى بهذا” وهذه المسألة يكتب بها مجلدات لكن الرد المختصر يكمن في الآية 10 من سورة البلد” وهديناه النجدين” والنجدين فسرها عبدالله بن مسعود على انها الطريقين- طريق الخير وطريق الشر. وقصة أسير الشهوات تحدث خللاً في العلاقات وتهز المجتمعات لو تم التسليم بها, فهي تفتح الباب على العقاب والثواب وتأنيب الضمير حين يصحو من كبوته. وقد ورد في المجموعة” من منا لا يحب الرب؟ لكن هل كل محب له يقدس عقيدته ويصلي, وما الصلاة إلا صلة بين العبد وربه واختبار للطاعة.
وقد أثيرت مسألة المرأة في النص الذي يقول” تترجى زوجها أن لا يقتلها وأن تعيش خادمة راضية أسفل قدميه” وهذه مسألة نسبية في المقدار وتختلف أيضاّ باختلاف الثقافات, وكلما زادت نسبة التنوير كلما ابتعدنا أكثر عن هذا الباب.
ويبدو الباب السادس أنه باب الصحوة, فقد أدار سؤالاً محيّراً حول أكل الحرام وأكل مال اليتيم بالباطل, واللهاث وراء الدنيا والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة, والنتيجة حفرة تسمى قبراً, وضربت المجموعة في بابها السادس فرعون كمثال, حيث بات إلى زوال, وقد كان قال” أنا ربكم الأعلى”, وقصة حديث الأشعث الأغبر الذي يأتي وقد سب هذا وأكل مال هذا فأنى يستجاب له قصة مألوفة.
كان دخول الباب السابع فيه تحول من الآدمية إلى الشيطنة, فهل ينقلب البشر إلى شياطين صفر؟ والجواب, منهم من ينقلب, والحكمة هنا في خروج الضمير من الجسم لتعيش الروح والجسد بدونه, فيصبح كل شيء مباح, الكذب والسرقة والقتل “حيث بدأ باصطياد أهل بلدته ” لماذا لأجل المال, والمال كما قالت القصة السابعة لا ينبت على الأشجار” والعبرة في المقطع الأخير” كم كانت تلك الجبال جذابة, لكنها مهما صبغت بالذهب ستظل خطيئة أهلكت كل من سلكها قبله, وما يفعل الأفاعيل بلا ضمير لا يملك إلا التقدم في هذا الممر إلى الباب الأسود” فوقت الحساب قد حان وسيرى من فقدوا ضمائرهم مصيرهم الأسود” يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم” سورة الشعراء الآية 87
وفي الباب الثامن أوردت الرّواية خطيئة الكسل وخطيئة التسرع في السلوك” قالت الرّواية لا تصبح كسولاً وإلا سيضيع عمرك وشبابك وأنت في السرير” فالكسل وكثرة النوم سبب من اسباب الهلاك, وإلا كيف قتل أهل القرية؟ فمن ذهب لمراقبة قدوم الأعداء قد غط في النوم فكانت هذه نتيجة اللامبالاة.
وقد قرأت في الباب التاسع عن تناسخ الأرواح وحلولها والسحر المحرم ” كايا وأصدقاؤها أنقذوا الجميع لكن بالسحر المحرم” وهي قضية مهمة تمثل وجهة نظر الكاتب في أنه يمكن أن يكون هناك أكثر من نسخة للشخص, والحقيقة التي أؤمن بها أن لا تناسخ لأن في التناسخ تطابق لكن هناك تشابه. أما قضية السحر فهي قضية مألوفة.