لصحيفة آفاق حرة
على شجرة التين الكبيرة في أرض دار بيت الجيران، كانت تحط عشرات العصافير، وتبدأ سيمفونية كل صباح، فتوقظ سلمى التي تنام على سطح البيت مع أمها وأبيها وأخيها سالم ابن السنة والنصف، هربا من حرارة الطقس في فصل الصيف.
مع طلوع الشمس كان لابد أن تجتمع هذه الأعداد الكثيرة على الشجرة، وكأنه اجتماع عائلي روتيني لهذه المجموعة الضخمة.
كانت سلمى في كل يوم تتحدث مع العصافير، تخبرها بأنها تحب سماع صوتها العذب كل صباح، وأنها تنتظر شروق الشمس، حيث تبدأ رحلة يومها بسماعها وهي تغرد وترقص، وتطير من غصن لغص، وكأنها فرحة ببداية يوم جديد مشرق جميل.
يستيقظ الأهل، وينزلون للبيت قبل أن ترتفع الشمس، وتبدأ حرارتها بالارتفاع.
تبقى سلمى لتطوي الأغطية و( الفرش )، وتضعها في زاوية السطح، وتغطيها ب( حرام ) قديم ليحميها من أشعة الشمس القوية، والتي إن تمكنت منها ستجعلها تهترىء.
فمن الصعب على سلمى ابنة الرابعة عشر سنة بجسدها النحيل أن تقوم بحملها كل يوم صباح مساء في صعودها ونزولها على درج البيت المؤلف من اثنتي عشرة درجة.
أما أم سلمى صاحبة المرض الدائم في قدميها، فهي بالكاد تحمل طفلها الرضيع وتنزل به.
لم ينه المؤذن أذان الفجر بعد، حين سمع صوت طائرة يقترب، استيقظ جميع من نام على الأسطحة من أهل القرية، فخوفهم ممن جعل من نومهم قلقا متقطعا منذ بداية الأحداث،
أسرع الجميع للاختباء مما تحمله هذه الطائرة من موت ودمار.
البعض اختبأ في القبو، والبعض الآخر اختبأ في المغارة، ومن لم يسعفه الوقت اكتفى بالجلوس في إحدى زوايا البيت، لكونها أكثر أركان البيت قوة وثباتا….
صوت انفجار قوي دوى في القرية، ولم يعرف من أين بالتحديد، ولا أحد يجرؤ على الخروج من مخبئه قبل ابتعاد صوت الطائرة القاتل.
كانت سلمى تحدث نفسها، وهي تجلس على مصطبة في صدر مغارتهم.
الآن سيبزغ الضوء، وستبدأ الشمس بالشروق، وستأتي العصافير لتقف على شجرة التين، أرجو ألا تأتي اليوم، فطائرة الموت حين تأتي لا توفر أحدا، ولا ترحم بشرا ولا طيرا، يا إلهي احمِ هذه الصافير، فهي لاتعلم أن اليوم وفي موعد مجيئها إلى الشجرة أن هناك خطرا ينتظرها.
خرج الناس من مخابئهم بعد ذهاب الطائرة، حيث رمت حمولتها في القرية وانصرفت ملعونة.
عم خراب في القرية، ورائحة بارود وروائح غير معروفة انتشرت في الجو، هرع الجميع ليستطلعوا أين وقع البرميل المتفجر.
صراخ وبكاء ونحيب ملأ الأرجاء، صوت قريب على بيت سلمى، يا إلهي إنه من بيت الجيران.
هز المشهد القلوب وأبكى العيون،
الجارة وأبناؤها الثلاثة استشهدوا إثر وقوع البرميل في أرض الدار، من قوة الضغط، فكأنهم نيام لم يتغير من شكلهم شيء، أخذ الموت كل من كان في الدار.
وشجرة التين الضخمة قد اقتلعت من جذورها، وتكسرت واحترقت أغصانها الطويلة الخضراء.
تناثرت أشلاء العصافير في الأرجاء، واصطبغت ريشاتها بقطرات حمراء قانية، وكأنها مذبحة أغرقت العصافير بدمائها البريئة.