لصحيفة آفاق حرة
****************
إعداد الباحث: أحمد سليمان البسيوني
المقدمة:
يهدف البحث إلى دراسة البناء الفني في مجموعة “واحد وعشرون خريفا” للكاتبة الفلسطينية صابرين أبوعسكر, حيث تأتي المجموعة في سبعة عشر قصة, تناولت فيها الكاتبة الواقع الذي يعيشه الفلسطيني, فكتبت بنض الأمل مرة واليأس مرات ولامست بمضمون ما جاء في القصص ما يدور في خلجات ونفوس أبنا مجتمعها, تميزت هذه المجموعة في لغتها الرشيقة الغنية بمفرداتها ولغتها الشعرية وتوظيفها لها من خلال استخدام المجاز والاستعارة والتشبيهات والأساليب والصور الجمالية, تميزت في مضمونها الفكري الواعي, الذي يكشف لنا عن كاتبة فلسطينية مبدعة خطن لنفسها طريقا معبدا بالقراءة نسجت خيوط الوعي باطلاعها الواسع, ما أثرى حصيلتها اللغوية والفكرية والثقافية.
أولاٌ: بناء الأحداث:
يعد الحدث من العناصر المهمة في القصة يقول د. لطفي زيتوني في معجم مصطلحات نقد الرواية ص75: “كل ما يؤدي إلى تغيير أمر أو خلق حركة أو إنتاج شيء“, أما جيرالد برنس يقول في كتابه المصطلح السردي ص19: “الحدث سلسلة من الوقائع المتصلة تتسم بالوحدة الدالة“, ومن خلال الأحداث تنمو المواقف وتتحرك الشخصيات وهو الموضوع الذي تدور حوله القصة, ويرى الباحث أن الحدث هو ركيزة العمل القصصي وأساس الانطلاق في عملية السرد واستمراره في القصة, يقوم بناء الحدث في مجموعة “واحد وعشرون خريفا” على نسق التتابع حيث جاءت أحداث القصص متسلسلة مترابطة لا فواصل زمنية بينها فالأحداث في تتابع إلى أن تصل إلى نقطة الحل إلا في بعض القصص.
تبدأ الكاتبة مجموعتها بقصة سكرتيرة بجوارب مزركشة باستهلال تؤسس فيه للحدث الرئيس, وهو زيارة دكتور الجهاز التنفسي وهذا الاستهلال أعطى القصة حركة وحيوية وتشويق, أغرى القارئ بمتابعة القراءة, وقد جاء السرد على لسان السارد المتكلم المشارك في الأحداث يقول السارد ص11: “مضى الوقت سريعا على غير عادته انطلقنا حتى وصلنا العيادة حسب الفيس بوك”
بعد الوصول للعيادة تتوزع أحداث القصة التي تبدأ بالصعود على درجات السلم وهي تفكر في شكل العيادة وتقسيم الغرف والأثاث يقول السارد ص12:
“بخطواتي الواهنة أضع أقدامي على أول درجات السلم أصعد مع استراحة عند كل منعطف عقلي مشغول برسم شكل العيادة المدخل غرفة الاستقبال بكرج القهوة نوع الشوكلاته رائحة معطر الجو والكحول وال50 شيكل التي ستدفعها أمي”
ثم يتقدم السرد بالحدث إلى الأمام بعد دخول العيادة فتصفها قائلة: ص12:
“ممر ليس بطويل غرفة مغلقة على الجانب الأيسر شهادات ترتشق الجدران الأيمن صور للطبيب غرفة استقبال يقابلها مطبخ”
ثم يأتي الطبيب يطلب من بطلة القصة الدخول للكشف يقول السارد ص13:
“بدأ الكشف والأسئلة لحديث لم يتجاوز العشر دقائق انتهى لروشيته علاج ثم يطلب أن تحجز للمراجعة عند السكرتيرة”
هنا تكشف الكاتبة عما يدور في خلجاتها من توظيف عاملة النظافة سكرتيرة والإشارة إلى تكدس الخريجين وقلة فرص العمل يقول السارد ص13:
“وبصوت واضح يطلب منا الطبيب أن نحجز موعد مراجعة عند السكرتيرة, بالتفاتة سريعة أبادر بالسؤال: أين هي؟ لا يوجد سوى عاملة النظافة”
ثانيا: بناء الشخصية:
الشخصية من العناصر المهمة في البناء القصصي, حيث تتفاعل الشخصيات مع مكونات البناء القصصي يقول د. لطفي زيتوني ص13: “الشخصية هي كل مشارك في أحداث الحبكة سلبا أو إيجابا” فالشخصية من تقوم بالفعل ومن يصنع الأحداث, يرى الباحث أن الشخصية هي العنصر الذي يعبر من خلاله عن أفكاره ومواقفه ويتخذ من منها وسيلة لتوصيل ورؤيته للأشياء.
في قصة عرجاء استثنائية تتحدث القصة عن فتاة ذات طموح كبير معبق بالأمل أن تصبح يوما كاتبة, وهي شخصية ذات مشاعر حزينة, عاشت وسط عائلة بسيطة في مخيم تفوقت في دراستها ترافقها عرجتها, التي تشعر بالنقص بسببها وتتراوح كل طموحاتها وأمانيها أن تكون استثنائية كي تشبع ذلك العجز في قدمها, ساند الفتاة صديقتها ومديرة المدرسة والكاتب المقدسي الذي كان يعجب بكتابتها, حينما خرجت لتيم تكريمها من مديرة المدرسة كانت قلقة خائفة تواري عرجتها, إلا أنها تستذكر قول صديقتها يقول السارد ص34:
“حاربي من أجل أحلامك لا تلتفتي لأحد”
تغوص الكاتبة في شخصيات القصة وتقول على لسانها ما تصبو إليه, حيث تدعو الفتيات إلى التمسك بأحلامهن مهما كانت الظروف وأن يدافعن عن حقوقهن وعدم التنازل عنها, يقول السارد ص34:
“هذه المرة لا أبكي الجامعة بل أبكي كل فتاة تتنازل عن حلمها وتسحقه تحت وطأة الظروف”
تميزت شخصية الفتاة بالأمل والطموح والاصرار, وهذا ما ألمسه في الكاتبة التي استطاعت أن تخط لنفسها طريق الكتابة الإبداعية, وقد وفقت الكاتبة في رسم شخصياتها وتجسيد شعورها وإيصاله للقارئ, وقد عبرت عن موقفها ورأيها ورسالتها لكل الفتيات اللواتي يحلمن من خلال شخصية الفتاة.
ثالثا: السرد:
يعتبر السرد من الأساليب التي يقدم الكاتب من خلالها الحدث يقول حميد الحميداني في كتابه بنية النص السردي صص167: “وهو الكيفية التي تُروى بها القصة” وقد جاء السرد في مجموعة واحد وعشرون خريفا متنوعا متراوحا بين السرد بضمير الغائب والمتكلم المشارك.
- السرد بالضمير الغائب:
حيث يقدم السارد الأحداث والشخصيات وأقوال الشخصيات في صيغة ضمير الغائب وهذا يعطي الحرية للكاتب في تحليل ووصف الشخصيات وأقوالها وأفعالها تحليلا دقيقا, وسرد الأحداث ووصف المكان, وهذا ينفي صفة الذاتية أو الموضوعية عن الكاتب, وتوحي أن الأحداث ليست تجارب ذاتية, ودائما ما يكون السرد بضمير الغائب أقوى لأنه يعلم الأحداث وما يدور بين الشخصيات من حوار وما مر معها سابقا ويعلم ما يدور في نفوسها وكأنه في برج عاجي مرتفع يرى القصة كلها بعينه.
تلجأ الكاتبة في قصة “المعلقة قلوبهم” إلى السرد بضمير الغائب, حيث يسر لنا النا السارد أحداث فتاة أحبت شابا لكن لم يحظ هذا الحب بالاستمرار والاكتمال, وتزف عروسا لشاب آخر, تحضر الفتاة حاجاتها تتناول صندوق به مغلف قديم يتعلق بذكريات الماضي يقول السارد ص36: “تتناول صندوقا صغيرا مخفيا عن الأنظار في الرف الأعلى من الخزانة فيصيب الماضي جحيمه بلا رحمة ولا استئذان مغلف قديم وحيد تتناوله بأطرافها المرتعشة التي لطالما أمسكته وقلبته وأبكته بخذلان الماضي ورفاته تفتح المغلف وتقرأ”.
يبرز أسلوب السرد بالضمير الغائب في قصص الكاتبة بشكل جلي وواضح, حيث تعلم ما يدور مع الشخصيات في الحاضر وما تحتفظ به هذه الشخصيات من ذكريات مخبأة, فيسرد لنا السارد ما يوجد في الصندوق ويصف للقارئ أطراف الفتاة المرتعشة, ويسرد لنا المرات التي أمسكت بالغلف وبكاءها وغاص في نفسها ووصف شعورها بخذلان الماضي, حيث تقف العادات والتقاليد حائلا بينهم وأحلامهم, وفي خاتمة القصة يسرد لنا السارد شعور الفتاة من ذكريات الماضي يقول السارد:
“بضحكة فاترة تقلب المغلف بين يديها, وتلتفت لأختها التي تنتظرها أن تعود لإكمال الأعمال التي تنتظرها, وبخفة تمزق الصفحات, وتلقي بها في سلة المهملات مع الأشياء المكدسة التي لا لزوم لها”
يصف السارد ضحكة الفتاة ولا مبالاتها وخفتها في تمزيق المغلف, وهو ما تدور القصة حوله, لكن القارئ توقع أن تكون هناك رسالة صرخة وإعلاء كلمة والمطالبة بالحقوق لدى الفتيات, لا الاستسلام لسطوة العادات والتقاليد التي وقفت في وجه حبها.
- السرد بضمير المتكلم:
حيث يكون السارد محدود العلم يعلم ما تعلمه الشخصيات ولا يعلم ما يدور من أحداث, فيكون السرد على لسان أحد الشخصيات, وهذا قد يوهم القارئ أن القصة عبارة عن تجارب خاضها الكاتب وهذا ليس بالضرورة.
يترك السارد السرد في قصة المعلقة قلوبهم لأحد شخصياته “الفتاة” التحدث مع القارئ, حيث تكشف الشخصية عن نفسها وموقفها من الأشياء, فتعرض الشخصية موقفها وأفكارها من سطوة العادات التقاليد التي وقف بينها وحلمها الذي تخلت عنه, وحينما تتحدث الشخصية عن نفسها تكون أقرب إلى نفس القارئ, بعد أن رسما المنزل وحددا أسماء الأولاد يذهب بجرة كلمة, يقول السارد ص38:
“بجرة كلمات مقتضبة بعادات وتقاليد بلا رحمة بلا التفات لأسماء أطفالنا الذين اخترناهم سويا والمنزل الذي صممناه سويا والمدن التي كنا سنسجل دخولها معا”
تجسدت الواقعية في قصص الكاتبة, وهذا ما يميز المجموعة القصصية, فقد وصفت الحياة وعبرت عن قضايا يعيشها المجتمع, تناولت الكاتبة في قصة “بحر لجي” التي تدور حول فتاة وقعت فريسة لشهوة رجل أربعيني, فعالج أهلها الأمر بالكتمان والخوف من العار, بعد خشية والدتها من الفضيحة ورفضها تقديم شكوى خشية حديث الناس, فتمر بأزمة نفسية الأمر الذي جعل إخوتها يرسلونها إلى مصحة الأمراض العقلية, فجاء السرد على لسان الفتاة ص71:
“اليوم سأغادر مصحة الأمراض النفسية أشعر بأن روحي تطهرت بماء وبرد, منذ ستة أشهر أجبرت على دخول هذا المكان الموحش بعدها يئس الجميع عن كبح رغبتي في الانتقام”
لم يثأر لها أحد خشية الفضيحة والعار, وبقي السفاح حرا طليقا يبحث عن فريسة أخرى, هنا تكمن رسالة الكاتبة في المطالبة بمحاسبة من يتعدى على أعراض الفتيات, حيث يترك السارد السرد لبطلة القصة وهي الفتاة, بعد أن أُدخلت للمصحة وخرجت لن يمنعها أحد من الانتقام الذي لن يقوم به غيرها, لذا أرادت السارد أن يكون السرد على لسانها لتكون أقرب إلى شعور القارئ.
وفقت الكاتبة في استخدام السرد بضميري الغائب والمتكلم, فقد راوحت في مجموعتها في استخدام الضمير الغائب والمتكلم وهذا يضفي المتعة والتشويق للقارئ في الاستمرار في القراءة والامتزاج بأحداث القصة.
رابعا: اللغة:
لا ينفصل السرد عن اللغة, وقد جاءت لغة السرد ممزوجة بي الفصحى والعامية, وقد اتسمت المجموعة القصصية