في قصيدة النثر (2) / بقلم:علي الدرورة

كَثُرَ الجدال حول قصيدة النثر خلال العقود الخمسة الماضية ، وفي نهاية الجدال انتصرت القصيدة ذاتها، بالرغم من احتدام الآراء وتضاربها، حيث أعطيت القصيدة أوصافاً ونعوتاً لا علاقة لها من بعيد أو قريب، وكذلك الشعراء الذين أبدعوا وصاروا روّادًا في إبداعها، وذلك الجدال إنّما جاء من خارج البناء النقدي ولم يخضع لأيّ سياق أو مدرسة أو فلسفة نقدية معينة، وكلّ هذا الجدال انتهى؛ لأنه لم يوضع في ميزان النقد وفي إطاره الصحيح، وربما من كان يمجّد له بسبب دخول فئة من الشعراء خلطوا الأمور بركوبهم الموجة، وهذا السبب كان عيباً فيهم وليس في قصيدة النثر، حيث لم يكن لتلك الفئة من الشعراء قاعدة قوية ينطلقون منها.

فقصيدة النثر تُعدّ الأكثر دلالة على بقية الأنساق في عصرنا؛ وذلك لقناعة النقاد والشعراء بمضامين الحداثة، فهي قصيدة مفتوحة على مصراعيها بأبعادها في مضامين الحداثة وما بعد الحداثة، وسلالتها من الأنساق المتفرعة.

تقول هدى فخر الدين:
رحت أبحث عن قصيدة نثر واحدة تكون لي حجة أو نموذجاً مسوّقاً لقصيدة النثر العربية – وقد قرأت أعمال لشعراء عديدين – وتبيّن لي أنّ مهمتي شبه مستحيلة إذ حصلت على نماذج مختلفة جداً وتبيّن لي سريعاً أنّي لا أبحث في اتّجاه شعري معيّن بل في اتّجاهات متعددة ، وهذا دليل على تعدّد الأنساق في قصيدة النثر المعاصرة ومدى قابليتها لوضع سلالة من الأنساق الشعرية.

فهذا دليل على أنّ قصيدة النثر المعاصرة تتسع لجميع القوالب والبحور، وهي تفرق عن القوالب الشكلية للقصيدة التقليدية الكلاسيكية.

لقد تعدّدت مفاهيم قصيدة النثر عند النقاد، فمثلاً يقول بودلير:
(مَنْ منّا في لحظته الطموحة لا يحلم بمعجزة الشعر النثري، من دون وزن ولا قافية، سلس بشكل كافٍ، وصارم بشكل كافٍ لأن يعبر عن غنائية النفس، وعن تموّج الروح، وعن وخز الوعي).

وهذا النموذج يرمي ما ذهب إليه النقاد الذين اعترضوا على القصيدة المعاصرة كسياق وفنٍّ منفصل في حدّ ذاته، ولم يعترضوا على النّص الرّكيك الذي ولج هذا العالم وهو يخلو من السِّمات الشعرية.

وهناك قول مشابه أو هو قريب من كلام بودلير، وهو ما قالته باربرا هننغ: (إنّ قصيدة النثر هي جنس أدبي متاخم، حيث تكون الطبيعة شعرية لكنّه يطرح بشكل أفكار وكلام عادي جداً)، ولكنّ باربارا لم تسأل نفسها لماذا هو كلام عادي جداً؟ فعابت على النّسق ولم تُبدِ رأيها في القصيدة ذاتها الذي ربما يكون العيب في ضعفها من حيث الطرح، فليس كلّ ما يطرحه الشعراء جدير بالتوقف والتأمل والدراسة؛ لأنه كما أسلفت القول أنّ كثيراً من الشعراء انطلقوا من قاعدة هشّة.

وأما ما قاله زيمرمان فهو مشابه إلى حدٍّ كبير لما قالته باربارا.
وقد أدرك مليسا دونوفان على نحوٍ ما عندما نظر إلى قصيدة النثر بعمق وتبيّنت له المضامين فقال: (النثر ما يكتب باللغة العادية بالجمل والفقرات، والشعر بطبيعته يعتمد على الخصائص الجمالية للغة.
وقصيدة النثر هي شعر يكتب بالجمل والفقرات من دون نظم أو تشطير لكنّه يحتفظ بخصائص شعرية أخرى كالتقنيات الشعرية والصورة و لتكثيف).

وهنا تتضح الصور النقدية لقصيدة النثر فجماليات القصيدة هي التي تولد من قوة فاعلة حيث يقوم الناقد بتجزئة التفاصيل والوقوف على عمق المفردات، وتوالي الصور المكثفة في القصيدة.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!