أيُّها الحب هل نقول: وداعاً؟ بقلم. نجيب كيَّالي. سوريا

لصحيفة آفاق حرة

 

أيُّها الحب هل نقول: وداعاً؟

بقلم. نجيب كيَّالي. سوريا

 

يعيشُ الحبُّ بين الرجل والمرأة أزمةً خانقةً أو قاتلة في الوقت الراهن!

حياتنا المُتخَمَةُ بالمشاكل حتى حافتها أرسلتْ إليه إشعاعاً رديئاً، فَشَحُبَ لونُه، وذبلت أوراقُ وروده!

الحبُّ خارجَ البيوت أو الطليقُ، كما يُفضِّلُ بعضُ الناس أن يسمِّيه أصبح- في الأغلب- مجردَ لقاءاتٍ سريعةٍ في المقاهي والكافتيريات، معَ زخَّاتٍ من الدردشة على وسائل التواصل يتخلَّلُها تبادلٌ للصور.. حتى العاريةِ منها أحياناً، يضاف إلى ذلك نُثاراتٌ من غَمَزاتِ العيون، والقُبل العابرة، وقد يكون السرير حاضراً، فيقدِّم للطرفين إرواءً جسدياً قلَّما يبلغ الروحَ شيءٌ من نشوته.

أمَّا الحبُّ في داخل البيوت- وأعني به حبَّ الأزواج- فبعضُ المُنظِّرين للحب يرون أنه يُولَد مَيْتاً أو هو في نظرهم طفلٌ هزيل، مآلُهُ الوفاة مختنقاً بروائح البصل التي تفوح من ثياب الزوجة عند عملها في المطبخ أو مصاباً بموت مفاجئ صنعته جلطةٌ مرتبطة بمشاكل الحياة العنيفة، فانسدَّت بها أوردةُ الحب!

لماذا تراجعَ الحب؟

باختصار: الجواب عند عصر الاستهلاك الذي وصلَ مدُّهُ إلى كلِّ شيء، وأفرزَ كتباً سطحية، وأغاني سطحية، وجعلَ العلاقةَ بين المرأة والرجل شيئاً شبيهاً بالسائل في زجاجة الكولا يُستخدَمُ للهضم، ولمرةٍ واحدة فقط أو لبضعِ مراتٍ على أحسن تقدير..!

عصر الاستهلاك تعاملَ مع الروحانيات من الأمور، والوجدانيات منها كالحب مثلاً كما تعاملَ مع الماديات الآنية الزائلة! الحبُّ- عند تشريحه- علاقةٌ مركَّبة فيها خيوطٌ من الجسد، والقلب، والروح، والجمال، والموسيقا، والتأملِ في صَدَفةِ أسرار الكون التي يمدُّ العشقُ يدَهُ، فيفتح غطاءَها للمحبين، فيُدهَشون أمام المكنونات التي لم يسبق لأبصارهم، وعقولهم أن انتبهت إليها من قبل!

هذا البهاءُ الضائعُ من معظم علاقاتِ المحبَّة هذه الأيام يجب السعيُ لاستعادتِهِ من أطرافٍ كثيرة. ينبغي الاهتمامُ بأدب الحب، بلوحاته، بأفلامه لنعيدَ له أعماقَهُ المسلوبة.. عطرَهُ الأصيلَ الضائع.. جنوحَهُ التأمليَّ الذي يمزِّق المَشيمات ليستخرجَ منها عوالمَ جديدة، وشكلاً جديداً للتفاعل الإنساني أساسُه القلب الذي يشبه كعبةً يمكن أن يدورَ العشاقُ حولها ليؤدوا مناسكَ عشقهم في حالة إحرام داخلي يخلعون معها زيفَ العالم، وقشورَ عصرِ الاستهلاك التافه.

أخيراً.. قد نجد أنفسَنا أمام سؤال يلمع، ويُشعشع كمنارات المواني: كيف نعرف أننا نحبُّ حقاً؟ الإجابة: يكون ذلك حين نشعر بامتلاءٍ جميلٍ ساحر، وكأنَّ الكونَ كلَّهُ صار في داخلنا! يدُنا تشبه نخلةً يتدلَّى منها عنقودُ بلح، فنطعم دونَ حساب، وَجْهُنا صار مسرحاً لتأملات، وملعباً لغزلان الفرح، قَلْبُنا فيه حالةُ نمو لا تتوقف، فنبضاتُه زادت، ومستوى أحاسيسه صار كنهر في وقت فيضانه، ونَمَت فيه مشاعرُ عطفٍ لا على المحبوب فقط، وإنما على عشبةٍ ذابلة، على بئرٍ جافة مهجورة، على أجسام تنام دون غطاء، وعلى خواطرَ مكسورة، نتمنى أن نقومَ بمواساتها، وجبرِها. أعني أنَّ الحبَّ يصبح حالةَ التحامٍ بالذات، وخروجٍ منها في الوقت نفسه، فيتحوَّل المحب من كيانه القديم الجاف إلى كيان جديد طري، متدفق، كأنه صار نسمةً أو سحابة! الجنسُ جزءٌ من الحب بين الرجال والنساء، لكنه وحدَهُ هو شهوةٌ لا غير، والشهوةُ ترتبط باللهو، والأنانية، والأوضاع اللحظية. الحبُّ الحقيقيُّ ينجح دائماً في امتحان الحياة، فيخوضه، ويخرج منه ضاحكاً وضَّاحَ الجبين رغم الخدوش والكدمات التي تصيب جسدَهُ، أمَّا الحبُّ غيرُ الحقيقي فينجح في امتحان اللهو، وفي امتحان الحياة يهوي كاشفاً عن باطنه المزيف المملوءِ بنزوةٍ سطحية أو شعورٍ سخيف.

 

.

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!