لصحيفة آفاق حرة
علَّتنا الكبرى
مقالة صغيرة
نجيب كيَّالي. سوريا
يخطر في البال سؤال مُلحّ:
لماذا نزداد انكفاءً نحو الماضي في بلادنا العربية، بينما الناسُ في كل مكان مشغولون بالمستقبل؟
أظنُّ الأمرَ يتعلَّق بالآتي:
* مارستِ الدول المتحضرة التي لم تتخلص من شهواتها الاستعمارية الكثيرَ من التلاعب بنا، فلم نتمكن من الفصل بين حضارتها وسياستها، وغلبت علينا حالةٌ من عدم الثقة نحو كل ما يأتي منها، وبدا لنا الماضي ملاذاً في غربتنا المستفحلة عن الحياة والعالَم.
* انهارَ لدينا كلُّ شيء، ولم يبقَ لنا إلا صورةٌ من الأمس نمسكُ بها بكل قوة، لأنها الرمقُ الأخير في كينونتنا ووجودنا كما نتوهَّم.
* أمسكَ العسكر بتيار الحداثة في هذا القطر أو ذاك، أو استولوا عليه وقادوا مجتمعاتِهم إلى الويلات بدلَ النهوض والتقدم، فامتلأت النفوسُ شكَّاً بالتحديث، ومفاهيمه، ورجاله.
* تقوم التربية في بلداننا من أساسها على فكرة التسليم بالموروث وعظمته مع رفض أي دعوة لمناقشته أو تعديله أو محاولة التوفيق بينه وبين العصر، لأنه في نظرنا تام مكتمل كربيع لا يطاله فصل الذبول!
* يتحالف الحاكمون في بلداننا ضمناً أو علناً مع تيار الماضي، وبمساعدة بعض رجاله من الناطقين باسم المقدَّس يسحبون الرؤوسَ إلى وسادةٍ من الخَدَر لتستكين، فلا تعترض على استئثارهم بالخيرات والكراسي، بينما يقاومون بشراسة تيارَ التجديد وإنْ زعموا زوراً وبهتاناً أنهم في صفه.
* قام الحاكمون أيضاً بتدمير القطار الحامل للنهوض العربي، وهو الطبقة المتوسطة بما لديها وعي وطاقات كبيرة للعمل والإبداع، وحوَّلوا مشروعها النامي الناهض إلى شعارات جوفاء تشبه قشور البصل.
* بات العقل العربي يشتغل وفق آلية الحفظ والترديد، ففي داخل معظم الرؤوس ببغاءٌ كبير، أمَّا آليات التحليل والبحث والمناقشة ففوقها أكداسٌ من الصدأ.
* خرج غول الطائفية في العقود الأخيرة من وكره، فاكتمل البلاء، وانحدرنا معه إلى قيعان مرعبة بعدها قيعان!
* جرى تغييبُ الرعيل الثقافي أو شراؤه أو ترحيله، هؤلاء الذين بمقدورهم أن يحملوا المصباح، ويسيروا أمام الأمة، فطال الليل على الناس، وطال، وطال!
وهكذا.. تندفع الأمم بكل قوة إلى الأمام ونحن عالقون في مخاضة من الرمل.. حتى صرنا خارجَ الزمن، نكاد لا نشبه البشر، وينفرُّ منا حتى الصباح، والمساء، ونسمةُ الهواء.
*
٢٠٢٢/٧/٢٧