في كلّ عمل مميزات وعيوب تعتبر أساسيات تقييم ذلك العمل ونقاط الجذب فيه، وكذلك في كلّ وظيفة هناك صلاحيات، حقوق، واجبات، وأساليب تحدّد فروقات النجاح والتألق لدى كلّ موظف أياً كان مسمّى وظيفته ومهما كانت أعماله كثيرة أو قليلة، حتى وإن كانت درجة الصعوبة والسهولة متفاوتة فيها.
الإدارة في كلّ منشأة ومؤسسة، حكومية كانت أم أهلية استثمارية أو تطوعية، تعتبر المهمة الأصعب التي يقع على عاتقها مسؤوليات إنجاح تلك المنشآت أو المشاريع والمؤسسات التطويرية التجارية أياً كان مجالها.
وفي مجال السياحة والفندقة هناك الكثير من الوظائف والأعمال التي تهدف لإرضاء المستفيدين، سواء أكانوا نزلاء الفنادق أو مسافرين على إحدى الرحلات البرية والبحرية والجوية.
وفي مجال استقبال النزلاء في الفنادق يتكون انطباع أولي يؤثر بشكل كبير في مستوى رضا النزلاء أو ضيوفهم حول مصداقية العمل وكفاءة العاملين ونجاح المدير العام في قيادة المشروع وتحقيقه لأهدافه.
ولأنني من عشّاق السفر والسياحة وأحد ورثة ابن بطوطة في رحلاته، فقد نزلت كضيفة في كثير من الفنادق العالمية التي تتوحد في كثير من خدماتها وأنظمتها وتتباين في مستوى إنجازها، ورغم انبهاري بالسياحة الخارجية وإعجابي بمستوى الترفيه والطبيعة الخلّابة في تلك البلدان، إلا أنني من مشجعي السياحة الداخلية، فنحن نعلم أنّ المملكة العربية السعودية تمثل قلب العالم الإسلامي وأعظم وجهة تشدّ إليها الرحال، فلا يوجد أرض أكثر قداسة وطهارة من مكة المكرمة والمدينة المنورة.
ولقد أعطت حكومة البلاد أفضل الصور في استقبال ضيوف الرحمن لأداء فريضة الحج، وكذلك زوار المسجد النبوي ومسجد قباء والمساجد السبعة وكلّ المزارات المقدّسة التي تبقى شاهداً على قداسة وطن الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
كنت أعشق السياحة الدينية، ففي كلّ سنة أشدّ الرحال إلى مدينة الحبيب نبي الرحمة وهادي الأمة، وحين أقضي بضعة أيام أشعر أنني أشحن طاقتي الإيجابية وأبهج روحي في تلك الأجواء الإيمانية، ولذلك أحرص على اختياري للسكن الذي سيأويني في تلك الفترة.
وقد ازداد الاهتمام بتطوير أساليب السياحة الداخلية بشكل عام، فازدهرت صناعة السياحة وارتفع مستوى النجاح في الفندقة حيث أصبح يوازي النجاح في الدول المتقدمة، وقد سهّلت رؤية ٢٠٣٠ فهم أهداف تطوير السياحة وازدهارها.
ومن أجل التشجيع على اكتشاف خيرات البلاد السياحية ونقاط الجذب في طبيعتها الخلابة ومميزات كلّ مدينة، لا سيّما المدن الدينية والسياحية والأثرية والترفيهية، كنت قد حملت شعار (رحلة في بلدي أحلى) وقمت بعدّة رحلات للكثير من مدن مملكتنا الحبيبة كان آخرها رحلتي للمدينة المنورة التي أقمت فيها في فندق إعمار رويال التابع لشركة إعمار للضيافة الفندقية، ولقد كانت إقامة عادية لمدة عشر ليالٍ بالنسبة لي مرت سريعاً لظمئي الشديد لزيارة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وشغفي العميق بقضاء أوقات سعيدة في مدينة النخيل هذه.
كان استيائي يزداد يوماً بعد يوم وكانت لديّ ملاحظات سلبية عديدة في خدمة الغرف وتقديم الوجبات ومساعدة النزلاء، لا سيّما في الحالات الطارئة كالمرض، لكنّي كنت أتقن فنّ عرضها على من يهمّه الأمر فيتناولها حسب جدّيته وعدمها.
كان الخميس هو اليوم ما قبل الأخير لانتهاء رحلتي مع تلك الشركة التي كنت ضمن مسؤولياتها المهمّشة كعادة أكثر الحملات التي تستقبل عدداً مبالغاً من الزوار والمعتمرين فتعجز عن إرضائهم وتلبية جميع طلباتهم.
كان لقاءً مميّزاً بين نزيلة فندق غاضبة تحمل مجموعات ملاحظات سلبية من التقصير والإهمال لدى أكثر من قسم في الفندق، وقد أحسنت طرحها بأسلوب النقد البنّاء؛ لأنّها تهدف لإصلاح العيوب وتطوير الخدمات.
ولذلك فقد وجدت ضالتها المنشودة من حسن الاستماع والإصغاء باحترام وتقدير لرغبتها في تحسين مستوى الخدمة.
وقد كان ذلك اللقاء مميّزاً بدأ بتوتر وعصبية وإحساس بالتجاهل؛ بسبب مماطلة بعض الموظفين وتقصيرهم في أداء عملهم، لكنّ تلك الحالة قد اختلفت تماماً وانتهى سوء الفهم وتلاشت الشكاوي حين استلمها على طاولة النقاش من استوعب حقيقة المركز الذي يشغله وقد تناول شكواها بذكاء المدير الذي احتوى العميل وأظهر تقديره وامتنانه وكشف له بجلاء أهمية رضاه عن الخدمات المقدمة له.
هذه هي كاريزما الإدارة التي تعتبر السِّر في توليفة النجاح والقدرة على التأثير.
لقد وجدت مدير الفندق الأستاذ/ خالد الحربي خير مثال لذلك، وقد وجب شكره وتقديره امتناناً منّي لرقي تعامله ودماثة خلقه.
وإنّني من هذا المنطلق أحيّي كلّ مدير يحتوي موظفيه ويحسن معاملتهم ويرتقي بأسلوبه مع الفئة المستفيدة من خدماتهم كنزلاء أو ضيوف، فهذا هو بداية النجاح وتحقيق العالمية.