لصحيفة آفاق حرة
هل تجاوزت مرحلة المراهقة؟
بقلم. د. سلطان الخضور. الأردن
ستدرك عزيزي القَارىء أن السؤال مشروع بعد قراءة المقال, وستتحلل من ابتسامتك وشعورك ببديهية الإجابة, لتجيب بنعم أو لا, بغض النظر عن العمر لأن المراحل العمرية ليست المعيار الوحيد للإجابة على السؤال المطروح حين تعلم أن الحديث هنا يقتصر على المراهقة الفكرية لا غيرها.
أنا شخصيا عانيت كثيرا من هذه المرحلة, وعصفت بي رياحها, وقذفتني أمواجها، وألقت بي إلى أقاصي اليمين أحيانًا وإلى أقاصي الشمال أحيانًا, وبقيت عقودًا أترنح تحت تأثير مخدرها, ولم أستطع تجاوز هذه المرحلة إلا بصعوبة, هذا إذا جاز لي أن أدعي أنني تمكنت من تجاوزها.
المراهقة الفكرية كما هي المراهقة النفسية والعاطفية والإجتماعية والسياسية وغيرها, لها مفهمومها الخاص بها, وأسبابها وخصائصها ونتائجها, فهي مرحلة شاقة من التكوين الفكري التي تسبق مرحلة النضوج الفكري, والمرور بها أمر حتمي للوصول ألى مرحلة الاستقرار. وهي المرحلة الأكثر صعوبة لأنها أشبه ما تكون بمرحلة البناء.
ففي كثيرمن الأحيان تكون القرارات في هذه المرحلة انفعالية, مبنية على العاطفة لا على محاكاة أو محاكمة منطقية للحدث أو الموقف, هدفها إثبات الذات ولفت النظر أكثر منه محاولة لتوصيل رسالة, مما يجعل نسبة الخطأ في هذه القرارت أكبر من نسبة الصواب وبالتالي يعطي المراهق فكريا انطباعا عن نفسه بعدم الاستقرار وعدم الثبات.
ونستطيع الإدعاء أن المراهقة الفكرية هذه الأيام عند المتعلمين والمثقفين أكثر منها عند غيرهم, نتيجة لتعرض هذه الفئة من الناس للمؤثرات الفكرية والنفسية, من خلال دراساتهم واطلاعهم السريع ونتيجة لتأثرهم بوسائل الإعلام بنوعيها العدوّة والصديقة, والتقدم في طرق التواصل الأجتماعي وسهولة وسرعة الإتصال , فقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مرتعا سهلا لأشباه المتعلمين وكثرة المعروضات زيادة عن الطلب, وقابلية هذه المواقع لنشر الغث والسمين, مما يسارع في ذبذبات المسموع والمقروء مما ينتج زيادة في ذبذبات القبول والرفض, وأهم من هذا وذاك قابلية هؤلاء لتقبل الأفكار والآراء لأن الأرضية لديهم مفروشه كنتيجة للرغبة في التميز والإنخراط في الأنشطة الإجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها, فكلما زادت نسبة الإنخراط كلما زادت نسبة الخطأ فالذي لا يعمل لا يخطئ, وبالتالي الحاجة لفترة أطول للوصول لحالة الإستقرار الفكري والتخلص من مرحلة المراهقة الفكرية. ومن العوامل التي تسهم في زيادة فترة المراهقة الفكرية وسرعة تقلبها عائد لنوعية الكتابات وخاصة القصيرة منها كالمقالات والخواطر, والكتّاب حديثي العهد بالكتابة, فحين التأمل فيما نقرأ هذه الأيام نجد ما نقرأه يميل الى الحدّيّة والافتراضات غير المبنية على الحجج والمحاكمة الواقعية لما يكتب، مما يجعل القاريء عرضة لتقلبات هذه الآراء والأفكار.
ومن العوامل المؤثرة أيضا في زيادة المدة والعدد, تراجع دور الأسرة في التربية وعدم القدرة على التأثير المباشر في صقل شخصيات أبنائهم, بسبب انشغال الوالدين نتيجة للظروف الإقتصادية والسياسية التي تفرض عليهم نمطا معينا من العيش على حساب أبنائهم. أضف إلى ذلك سرعة تقلبات الأحداث وتذبذبها المتسارع والتحالفات السريعة التي يصعب تفسيرها على المراهق, والتي في كثير من الأحيان لا تفسر إلا بنتائجها, ونستطيع الإضافة أن المدارس والجامعات تسهم أيضًا في زيادة نسبة المراهقة الفكرية وأعداد المراهقين لعدم قدرتها على صياغة أنماط فكرية تعلم طرق التفكير الإيجابي السليم المبني على الطرق العلميّة في عرض الفرضيات والتحليل والربط والإستنتاج المنطقي, مما يجعل المراهق عرضة لرياح التغيير. أما غير المتعلمين فهم أقل عرضة للمراهقة الفكرية لأنهم أصلًا لا يمرون بهذه المرحلة ويقضون الفترة الأطول والأهم في مرحلة الطفولة الفكرية لقلة تعرضهم لتجارب الآخرين من جهة وعدم اهتمامهم بالفكر من جهة أخرى.
وتجاوز هذه المرحلة وحط السفينة على بر الأمان, لا يكون إلا بالمتابعة الجادة لا السطحية لمجريات الأحداث ,وعدم التمترس خلف الآراء البالية، والتقوقع في بوتقة الفكر المتخلف, والجرأة في الطّرح, وعن طريق المطالعة الجادة للأدب السياسي والثقافي, وعن طريق التفكير المنطقي السليم وتقبل الآخر, وعدم التعصب في طرح الآراء والأفكار. وعدم تقديس الأشخاص والنصوص المقولبة, واعتبارها غير قابلة للنقد والنقض, وبالتالي الوصول لمرحلة الاستقرار والإنتاج.