لا أفكر في العودة
ذاكرتي لم تعد صالحةََ للاستعمال
لقد استنفدت كل أصناف القلق
ألقيت نعلي ومؤلفاتي في التنور المشتعل
وهبت إحدى رجليّ إلى كسيح
والأخرى إلى أحد عمال النظافة في المطار
لا إبريق عندي لأهشمه فوق العتبة
كل الحنفيات في بيتي صائمة
لا قطرة ماء أو خل أوحنظل أو نفط
تبل ريقها اليابس
المحاذير والمحظورات والحجج كلها تهاوت
لقد غرقت في برميل الإثم حتى أذني
اجتزت الخط الأحمر
أصابعي ترتعش كما لو أنها
لامست التيار الكهربائي أو التيار النفسي
عالمي الداخلي مكشوف بكل محتوياته المبعثرة
كحلبة مصارعة أو ساحة حرب
لم يعد الموت مادة احتياطية أو فائضة
عن الحاجة
لم يعد هو المشكلة أو الإشكال أو الخطر الداهم
بيني وبينه مودة وهدنة موقعة
لقد أرجأت رحيلي الدنيوي حتى إشعار آخر
إلى أجل ممكن..
لماذا العجلة أو السرعة غير المحسوبة؟
ربما أندم إذا قضيت نحبي باكراََ
لذا لن أقضيه الآن
ليعذرني حليفي الموت
لن أقفل الباب في وجهه في الوقت المناسب
لماذا أشعر بصعوبة التنفس؟
كأن المدينة خناق مشدود حول عنقي؟
أي مسوغ يخرجني عن طوري..
بل أطواري المختلفة؟
أهذا هو اليأس؟
ألم أعطه إجازة سنوية؟!
من أين يدخل غرفة نومي ويتلصص عليّ؟
كيف يتعقبني إلى جحري الذي لا يتسع للخلد؟
في هذه اللحظة أنشد السلام والهدوء
وبعض الطمأنينة
سأريح نفسي من أوزارها الثقيلة
دعي عليّ هموم الدنيا
عبء الجحود والنكران والتجديف والإلحاد والغضب والندم والخيبات المتواترة
إذا جعت سآكل كل أصنام قريش
سواء أمن تمر كانت أم من حجر أم من فولاذ
أم من الفوسفات!
فلتفعل الحياة ما شاءت
لتقطع يديها انتقاماََ وسمعها وبصرها
وجهازها التناسلي
ولترسل القبائل والطوائف غوغاءها ورعاعها وهمجها وأوباشها في إثري
أقولها للمرة الأخيرة:
لا أفكر في العودة