إنه الصباحُ الآن كالعادة …
يأتي شغوفاً كعادتهِ أيضاً
يرفعُ الخمارَ عن وجهِ دمشق
يمشّط شعرها بالنورِ
يُجدِّلُ ضفائرَها …
يزينها بالشمسِ و الحِنّاءِ
يمسحُ بالحبقِ جفونَها الّتي أنهكَها السهرُ و الحروب..
يعطّرُها بالياسمين
يقبّلُ جبينَها …
ثم يدسّ في جيبها ضَمّاتِ أمَلٍ …
قبل أن يرسلَها لتلعبَ مع باقي الأطفال.
….
إنّه الصباحُ الآن كالعادة …
يأتي عاشقاً كـ (أنا)
يقتربُ منّي
يخاطبُني :
(دعيني ألمسُ خصلةَ شعرِك المشاكسة
أزيحُها لأتفرّدَ بعسلِ عينيكِ
دعيني أتحسسُ فضاءاتِكِ
فخلف هذه النظراتِ
ألفُ سرٍ وقصيدة) .
………
إنّه الصباحُ الآن كالعادة..
يأتي حكيماً كعادته أيضاً..
لا يملُّ من تكرارِ حضورِه رغمَ علمِهِ التامِّ ، بأنّ بقايا الليلِ مازالت عالقةً بأرواحنا ، كبقعةِ زيتٍ كريهةٍ على مِفرَشِ طاولةِ الطعام.
…….
إنّه الصباحُ الآن كالعادة ….
عليكِ التّحلي بالمزيدِ من الشجاعة كـ (أنا) ..
لتحتسيَ قهوتَكِ المرّة وحدكِ …
وحدكِ تماماً …
تماماً حتى منكِ …
على شرفةٍ بمقعدين
و تحاولي جاهدةً
أن تُصدقي ما يكتبه الشعراءُ .
و ما تستمعين له من فيروزيات.
……..
إنّه الصّباح الآن كالعادة ….
عليكِ الاستيقاظ باكراً قبلَ الجميع …
كالعادة …
وكـ (أنا ) أيضاً
سارعي لغسلِ حزنِ الانتظار عن وجهكِ..
جفّفيهِ..
ضعي عليه مُستحضراً خافياً للعيوب..
تكَّحلي..
وانثري لوناً وردياً على صفحاتِ وجهكِ …
ليبدو احمرار عينيكِ
أكثر أناقةً …
و لا يقعُ غمّكِ في يدٍ ….
لا تجيد الطَبطَبة.
…………..
إنّه الصّباح الآن كالعادة …
يأتي مثقوباً كأحلامي .
و إلّا …
بماذا يُفسَرُ كلّ هذا الشّجن
الّذي يزّخ فوقي …
و لا أقوّى على تفسيرِهِ لأحدٍ ..
كي لا أُنعَتُ بالسُّخفِ و الشفافية …
لكني أشعرُ به
أشعرُ بهِ
وبشدةٍ.
…………….
إنّه الصباحُ الآن كالعادة …
يأتي كأنتَ
فاقداً لشرعيتِهِ في قلبي .
مذ قلتَ لي :
(هذا الصباح يٌعلّمني
أن أحتسي قهوتي معكِ
دون أن أجلسَ على طاولتَكِ ،
و أن أقرأَ قصائدَكِ
دون أن تتسخَ يداي بحبرها،
و أن أكتب لكِ عمّا تعلّمتُه ).
و لم تحضرْ.
…………..
إنّه الصباحُ الآن كالعادة …
يأتي مستعجلاً كـ (قلّة حيلتي)
نشيطاً كدعائي..
مازالتْ تحملُ ذاكرتهُ همّة الجدّاتِ
و رائحة خبزَ تنّورهن
فلا تتصدي لحيويتهِ ..
تنفسيها ..
أو افسحيْ له النورَ…
ثم سارعي لاخراجِ الاقنعةِ الملوّنةِ المصفوفةِ بعنايةٍ في درجِ خزانتكِ
سارعي..
سارعي لارتداءِ أحدها
ابتسميْ
سيستيقظون قريباً.
……….
إنّه الصباحُ الآن كالعادة …
يأتي هائماً كالعادة أيضاً..
ضعي موسيقاك الناعمة
أغمضي عينيكِ
استنشقي ما استطعتِ من عبقِ الحياة
اعتزلي العالمَ .
تناسي كل ما عَلِقَ بكِ من تُرَّهات .
و سافري نحو السماءِ
بأغنيةٍ.
………….
إنه الصباح الآن كالعادة …
يأتي حُرّاً .. كـ (أنا)
إقتنصي فرصةَ أناقةِ وجهكِ .
و (كالعادة)
إسرعي لالتقاطِ صورةٍ صباحيةٍ كُرمى لأحبَّتكِ الغائبين
جرّبي ..
الابتسامَ أكثرَ من مرةٍ
أظهري
أسنانَكِ وبياضَها
اجعليها
صورةً جانبيةً ثلاثيةَ الأبعادِ ..
لتخفي نصفَ قهركِ
اثبتي الآن
اثبتيْ
التقطيها
أرسليها لهم مع عبارة سعادةٍ باليةٍ…
كهديةٍ صباحيةٍ مغلفةٍ بالسلوفان
أغلقي هاتفك المحمول
ضعيه جانباً
و الآن…
ابكيْ..
.
..
…
ابكيْ
ابكيْ كثيراً
ابكيْ طويلاً
ابكيْ
ابكيْ
.
.
.
فأنتِ حُرّة.