بقلم : سعادة أبو عراق
1- بداية لم يكن في تاريخنا العربي والإسلامي ذكر لكلمة فلسطين، فكانوا يسمونها ديار بيت المقدس ، وهذه التسمية ليست بالضرورة هي فلسطين الحالية ، وكل الدول التي حكمت المنطقة كان لها تسميات إدارية خاصة بها, آخرها سوريا الجنوبية إبان العصر التركي وتضم فلسطين وشرق الأردن، اما جند فلسطين فقد كان يطلق بعهد الفتح الإسلامي لبلاد الشام على منطقة يافا والقدس والكرك وغزة وبئر السبع، ولكن المؤرخين تناسوه كجزء صغير خال من الأحداث.
2- الذي سمى هذه الأرض بفلسطين, وحدَّ حدودها, هو الاستعمار البريطاني، وفلسطين ورد اسمها في التوراة حيث كان العبرانيون وخاصة اللاويين مشتبكين دوما مع الفلسطينيين، والفلسطينيون هم المنتسوبون للأرض التي يعيشون عليها، وهي فلسطين، ومن هنا جاء تسمية هذه البقعة من الأرض بفلسطين، وكان ذلك في سياق المشروع الصهيوني ليكون هذا الاسم التوراتي جاذبا لليهود, للهجرة إلى ارض ٍ هم موعودون بها حسب ما ورد في توراتهم. ودعا اليه تلمودهم، ويسعى لتنفيذها بريطانيا العظمى
والمتنورون من العرب امثال المفكر ساطع الحصري ومحمد عزت دروزة ووليد الخالدي، رفضوا هذه التسمية ، لأنهم رأوا فيها تأسيسا للمشروع الصهيوني.
3- ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا لم تشكل بريطانيا كدولة منتدبة ومستعمِرة حكومة من العرب في فلسطين أسوة ببقية الدول العربية في شرق الأردن والعراق والحجاز ومصر وسوريا ولبنان وغيرها، وذلك لنفي فكرة وجود مواطنين عرب بها، وإعطاء فكرة للعالم وليهود العالم أن أرض الميعاد خالية ليس بها بشر، بل هي فارغة إلا من بعض الأعراب، وهؤلاء لا يمكن أن يشكلوا شيئا.
4- إن أحدا لم يتساءل لماذا لم تُقَمْ دولة فلسطينية تحت الانتداب كما أقيمت إمارة شرق الأردن ولبنان ، علما أن سكان فلسطين كانوا ثلاثة ارباع مليون أو أكثر، بينما سكان إمارة شرق الأردن في حدود 300 الف ومثله في لبنان ، إذن لم يكن عدد السكان مبررا لعدم إقامة حكومة, وهذا بالطبع نزع من السكان العرب المشاركة السياسية واتخاذ القرارات كما هي كل الشعوب تحت الانتداب، وأبقت الحكومة البريطانية الشعب على نظامه القبلي، (قيس ويمن) ، أو أسوأ من ذلك أن قسموا الشعب الفلسطيني طبقيا إلى بدو وقرويين وسكان مدن، وجعلت هذه الفئات غير مؤتلفة إلى يومنا هذا.
5- ظهرت في ظل هذا الوضع العائم زعامات عائلية وعشائرية كانت مهماتها تقديم خدمات اجتماعية تحولت إلى حركات نضالية، وثورات شعبية، والعائلات التي أسهمت بالتماسك الاجتماعي كانت عائلات إقطاعية في الزمن التركي، وجدت نفسها تلقائيا تسد الفراغ السياسي والإداري، كآل الحسيني الذين حملوا مسئولية مقاومة الاستعمار والمشروع الصهيوني.
6- من الواضح في هذه الفترة التي تم فيها نزع الفعل السياسي من الفلسطينيين، كان المندوب السامي هو المتحكم في كل شيء، يستن القوانين الإدارية التي تمكن اليهود من الاستيطان وشراء الأراضي وإقامة المزارع، وقمع الحركات الشعبية، وإصدار الأحكام القضائية المجحفة على الثوار، مما خلق الزعامات الشعبية لمجابهة إدارة المندوب السامي، وهذه الزعامات كانت من التجار والمخاتير وشيوخ العشائر، هؤلاء لم تكن تنقصهم الوطنية بل كان يعوزهم التعليم والتدرب على الحنكة السياسية ، لذلك كانوا بسطاء, أجهضوا ثورة عام 1936 بسبب ثقتهم بالملوك العرب الذين ضمنوا وفاء صديقتهم بريطانيا العظمى لوعودها.
7 – ان هؤلاء السياسيين لم ينجبوا ساسة أو سطروا علما في السياسة، بل كان عملهم ارتجاليا وليس مخططا ولا موثّقا، ولكنه كان إبداعيا، لذلك فإنهم لم يؤسسوا لمنهج سياسي، ولا لطبقة سياسية، تمارس الفعل السياسي وإقامة دولة عصرية، فالحاج محمد أمين الحسيني كان مشردا في لبنان العراق ومصر وغيرها ومعه ثلة من السياسيين والعسكريين هم من الصفوة، وكان على من تبعهم من السياسيين الفلسطينيين أن يبدأوا من الصفر