كتب. عبد المجيد جرادات. الصمود الآسطوري في فلسطين وقطاع غزة

لآفاق حرة

الصمود الأسطوري في فلسطين وقطاع غزة

الكاتب والمحلل عبد المجيد جرادات. الأردن

نتابع تطورات الأحداث في فلسطين المحتلة وقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 حيث توثق الوقائع (عجز الجيش الإسرائيلي عن حسم المعركة عسكرياً )، في حين يستمر الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني على تراب وطنه المحتل من قبل إسرائيل، وتنفذ المقاومة الفلسطينية الباسلة عمليات بطولية جريئة، حققت فيها معادلة ( تبادل الرعب) وأدخلت القيادات الإسرائيلية بحالة من الإرتباك وعدم التوازن الذي لم يشهده الكيان الصهيوني من قبل.

تؤكد حالة صمود الشعب الفلسطيني جملة حقائق أهمها : أنه يستحيل الغاء وجودهم أو مصادرة حقوقهم التاريخية على تراب وطنهم المحتل، والأهم هو إندثار فكرة المشروع الصهيوني في إقليم الشرق الاوسط: وهذا هو المأزق الذي وضع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بموقف يُلزمه بإطالة امد الحرب، لحين البحث عن فرصة تحقق لهم أي نصر يسهم بحفظ ماء الوجه: وسيبقى إستهداف وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء وتجويع الناس من المواقف( المعيبة بالنسبة للصهاينة) الأمر الذي يحتاج لمتابعات متواصلة من قبل وسائل الإعلام العربية لفضح ممارسات القيادات الإسرائيلية وجيشها المهزوم .

نبقى عند الحديث عن المشروع الصهيوني، والذي تم التخطيط إليه منذ عقدين ونيف من الزمن، حيث الرغبة بالدخول في علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية مع دول المنطقة، والسبب هو أن فكرة المشروع تنسجم مع أطماع الدول الغربية التي تحرص على حيوية دورها في العالم العربي، وضرورة أن تكون الأسواق العربية مفتوحة امام منتجاتها وأن يكون أبناء المنطقة من المبهورين بثقافاتها .

من الواضح بان الصراع بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، بات ( وجودياً) ذلك لأن وقف إطلاق النار من قبل إسرائيل يُعني الهزيمة التي تبدو مرفوضة من قبل نتنياهو، وهنا نقول أنه ( يُحمد للمقاومة الفلسطينية ) أنها تحسبت لأسوأ الإحتمالات، ولسان حالهم يقول كلما خسرنا شهيداً، استبدلناه بمقاتل عنيد، مع الإشارة إلى أن مسار المواجهات يبدوا طويلاً وطريقه وعرة… لكنها المحطة التاريخية التي أخذ أبطال المقاومة الفلسطينية على عاتقهم السعي نحو مرحلة التحرير التي تمكنهم من تثبيت هويتهم على تراب وطنهم، بعد أن ذكرونا بقول الشاعر: وترد بالدم قطعة اخذت به …. ويموت دون عرينه الضرغام .

نوجه التحية لكل أبناء الشعب الفلسطيني الذين تثبتوا على تراب وطنهم المحتل، ونرفع قبعات الإعتزاز لأبطال المقاومة وللأمهات الفلسطينيات اللواتي ينجبن الشهداء ويزغردن في جنازاتهم، ونتوقع إدامة الحركة النشطة من قبل أبناء الجاليات الفلسطينية والعربية في الولايات المتحدة والدول الأوروبية على جهودهم الخيرة لنصرة أبناء القضية الفلسطينية، ونعوّل على دور وسائل الإعلام العربية، بمختلف مستوياتها ومواقعها، لأن أسوأ خفايا المشروع الصهوني هو ( أن يشعر الإنسان العربي بقلة الحيلة، وأن تغلق منافذ الأمل أمامه) حتى لا يُحس بذاته الفاعلة التي تمكنه من أن يصنع إنجازاته بفعله وفيض إبداعاته.

لماذا نتحدث عن الصمود الأسطوري ؟
بعد المجازر التي إرتكبتها المنظمات الصهيونية في العام 1948 بحق أبناء الشعب الفلسطيني بهدف تهجيرهم، ونتائج حرب حزيران في العام 1967، فقد تبلورت في الولايات المتحدة والغرب فكرة مفادها أن الجهة التي تقدر على خدمة المصالح الأميركية والغربية في المنطقة هي (إسرائيل)، ولهذا وصفوا الجيش الإسرائيلي بأنه (لا يُقهر) ووضعوا في حساباتهم الاستراتيجية والاقتصادية أن وجود الكيان الصهيوني في فلسطين، يشكل الضمانة الموثوقة لصون مصالحهم الاقتصادية على المدى المنظور، وأخذ الكيان الصهيوني حقه بالدعم العسكري والمالي، وبدون سقوف او قيود وشروط.

تاريخياً وجغرافياً، فإن فلسطين والقدس تعتبران قلب الوطن العربي، ومهد الديانات ، وملتقى الحضارات، وهي بلاد جميلة ومن أهم بقاع الأرض من النواحي الاستراتيجية والسياحية والدينية، وقد كانت موضع الإستهداف الخارجي وشهدت الكثير من الغزوات والحملات العسكرية على مر الزمن.

شكلت حالة الصمود الفلسطيني، صدمة تاريخية للقيادات الإسرائيلية التي اعتادت منذ بداية الصراع على منهجية (المراحل) في سياسة التوسع الإستيطاني والتضييق على أبناء الشعب الفلسطيني ليختاروا الهجرة الطوعية عن تراب وطنهم .

نذكر بأن قرار الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) في العام 2017، بنقل سفارة دولته إلى القدس واعتبارها عاصمة (موّحدة) لإسرائيل، يندرج ضمن الخطط المرسومة لتفريغ فلسطين وقطاع غزة من أبناء الشعب الفلسطيني، وعلى أرض الواقع، فإن أسلوب التضييق الذي يتعرض له أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة، يندرج ضمن المراحل التي تمهد لوجود ( الدولة اليهودية) في فلسطين وقطاع غزة.

تأسيساً على ما سبق نسجل إعتزازنا بالقيادة الهاشمية الأردنية ممثلة بجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين على ما يبذله من جهود متواصلة لتقديم الدعم المعنوي والاقتصادي لأبناء الشعب الفلسطيني الذي أثبت للعالم أنه يُحسن الذود عن حماه، في الوقت الذي نرى فيه أن القوى التي تدعم إسرائيل، لا تعترف بما أنجزته المقاومة الفلسطينية وأوقعته من الخسائر بين صفوف الجيش الإسرائيلي، ولهذا فإننا نعول على جملة تطلعات نوثقها على النحو التالي:

أولاً: كيف يُمكن التصدّي للمواقف والسياسات التي تتنكر للحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني على تراب وطنه المحتل من قبل إسرائيل، ثم تجاهلت القيادات الإسرائيلية أبسط مبادئ القانون الدولي والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وها نحن نتابع تطورات المخططات التوسعية لإسرائيل حيث قتل الأبرياء وتدمير البيوت وتعطيل مسيرة الحياة ؟.

ثانياً: قلنا بأن إسرائيل، اعتمدت منذ بداية نشوئها على المساعدات الغربية، وبرمجت خطواتها التوسعية تدريجياً، وفي فلسفة الدوائر المعنية بالتخطيط الاستراتيجي في إسرائيل، نجد أنهم يسعون للاستفادة من عنصر الزمن، ويميلون لتحقيق التفوّق على الدول العربية عسكريا ًواستراتيجياً : وهذا هو التحدي الذي يقع على عاتق وسائل الإعلام العربية، التي نأمل أن تتمركز حول مصالح شعوبها وتتحيز لمنطق الحق بالنسبة للقضية الفلسطينية.

ثالثاً: ما نفذته المقاومة الفلسطينية، كشف عورات العقيدة العسكرية الإسرائيلية التي إعتمدت فيما مضى على عدة ركائز أهمها (قوة الردع)، والأخذ بالحسابات الاستباقية أو الإجهاضية، ومحاولة نقل الصراع أو المواجهة إلى أراضي الدول العربية، وفي جانب التفاوض، فهم يؤمنون بأسلوب المساومة ومن العبارات التي يقولونها: فاوض بمرونة واضرب بقوة، وعلى ضوء حالة الانفتاح الإعلامي عالمياً ودولياً، فإنّ من مصلحة الشعب الفلسطيني، أن تتمكن وسائل الإعلام العربي من التصدّي لهذه الممارسات وكشفها لمن يدعم الوجود الإسرائيلي على حساب الحقوق المشروعة للفلسطينيين.

رابعاً : نحذر من أساليب الحرب النفسية التي ستتوسع فيها الجهات المسؤولة في الكيان الصهيوني فيما سيأتي من الأيام، حيث تهتم إسرائيل بالجوانب التي تخدم أهدافها بالنسبة للخلافات الشخصية والتناقضات المذهبية بين الشعوب العربية والإسلامية، ومن المؤكد بأنّ ما يدور في العالم العربي منذ بدايات ما اصطلح على تسميته بثورات الربيع العربي في العام 2011، يروق لهم، وهم يبحثون عن حيوية دورهم وضرورة تسجيل اختراقات مؤثرة في اقتصاديات العالم العربي.

ما هي أهداف المشروع الصهيوني في المنطقة؟.
عرفنا إنّ السياسات والاستراتيجيات الإسرائيلية تتبلور من خلال مستوى تأثير اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والدول الغربية على دوائر صنع القرار في تلك الدول، وفي هذا الاتجاه، فإنّ إسرائيل تعوّل كثيراً على الظروف الاقتصادية السائدة في بعض الدول العربية، لأنها ترى في ذلك مدخلاً مناسباً لمشاركتها في المشاريع الاقتصادية التي تُحقق الأهداف السياسية المرسومة، ومن ضمنها توجّه أصحاب الكفاءات العرب للعمل في الشركات الإسرائيلية، وهذه هي إحدى المنغصات التي تحول دون وجود تعاون عربي، يهدف للحد من التعدّي الإسرائيلي على ممتلكات الشعب الفلسطيني، ولأننا أشرنا إلى أهمية دور الجاليات الفلسطينية في معظم دول العالم، فلنا أن ننتظر من أصحاب الكفاءات من هؤلاء بأن يكون لهم دور مماثل لما يقوم به اليهود لخدمة إسرائيل.

يرى أصحاب القرار في إسرائيل أنّ الظروف الاقتصادية السائدة في الدول العربية تنسجم مع مصالحهم، ولهذا فهم يُخططون للعمل وفقاً لأسلوب الاحتواء بالنسبة لشرائح معينّة من الفلسطينيين، وذلك تحت عنوان (السلام الاقتصادي وحفظ التوازن العددي) وهذا هو أحد الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل، والذي نأمل أن تفوّت الفرصة لتحقيقه من خلال حالة التناغم بين أبناء الشعب الفلسطيني، والتمسك بوحدة الهدف والمصير المشترك على التراب الفلسطيني الذي تحتله إسرائيل.

بالنسبة لمدينة القدس، فإنّ ممارسات القيادات الإسرائيلية تنسجم مع طموحات المتطرفين اليهود الذين يميلون لعدم التخلّي عن القدس الموحدّة، وفي هذا الاتجاه فهم يسعون لممارسة المزيد من التضييق على أبناء الشعب الفلسطيني في مدينة القدس وغيرها، معتمدين على أنّ من يمتلكون الأدوات الإعلامية في الولايات المتحدة والمؤثرين اليهود، يستطيعون توجيه مواقف صناع القرار في الغرب لخدمة إسرائيل.

يُخطط الكيان الصهيوني، لإقامة الدولة اليهودية على كامل أراضي الشعب الفلسطيني المحتلة من قبل إسرائيل، والمزعج في هذا التوّجه هو أنه يهدف لإضعاف الدور الفلسطيني ضمن المجتمع اليهودي، ومن المفيد القول في هذا السياق، بأنّ هذه الفكرة ليست حديثة، فقد وردت في وعد بلفور الذي يقول فيه (إنّ حكومة بريطانيا تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي) وهذا ما يؤكد فلسفة اليهود في التدرّج بالتوسع الاستيطاني على حساب الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.

تكمن خطورة (يهودية الدولة) بسلسلة من المحاذير، أهمها : تحييد الدور الفلسطيني المناهض للكيان الصهيوني، وهنالك وصف مُتداول عند اليهود يقول (الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين) وبدون ذكر الشعب الفلسطيني، نُشير إلى أنّ هذه الفكرة وردت في كتاب ثيودور هيرتزل (دولة اليهود) والذي صدر في العام 1895م وتضمّن خطوات ومراحل إنشاء الدولة اليهودية.

من الواضح بأنّ التشدد في الحديث عن (يهودية الدولة) ينسجم مع تطلعات المتنفذين في إسرائيل، الذين يطمحون إلى أن تكون إسرائيل (دولة خاصة) باليهود دون سواهم، حيث تتهيأ الظروف تدريجيا ً لتأسيس المجتمع اليهودي، ضمن الأساليب التربوية والفكرية التي تُعبّر عن ميل اليهود لتمييز أنفسهم عمّن هم حولهم من بني البشر.

في بدايات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، راهن قادة الكيان الصهيوني على أنّ الأيام كفيلة بأن تأتي بأجيال فلسطينية، تنسى الوقائع المرة التي حلت بشعبهم، لكنّ المشهد المعاصر يؤكد لهم العكس، فهنالك شباب نشأوا في ظروف الاحتلال ونراهم يتدافعون نحو المتاريس والمواقع العسكرية، وهم يُخاطبون الضمير العالمي، بمواقف بطولية تؤكد أنهم باتوا يتقنون فن الدفاع عن تراب وطنهم بنفس القدر الذي يتعلّق فيه اليهود بالحياة.

نثق بأن القضية الفلسطينية متأصلة في ضمير كل عربي مؤمن بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، الذي برهن على أنّ حياة “المنافي والتهجير” منحته القوة، والمزيد من الشعور بعدالة قضيته، في حين أنّ كل ما يمتلكه الكيان الصهيوني من إمكانات اقتصادية هائلة وأدوات القمع والإرهاب والقتل، لم توّفر الحد الأدنى المطلوب من شعور المواطن الإسرائيلي بالأمن المنشود، وهذه ما تؤكده حالة المواجهة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والجيش الصهيوني.

نخلص إلى القول بأنّ جوهر الصراع بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل يحتاج للمزيد من تكاتف “الجهود العربية” التي تُعزز مبدأ الصمود في وجه الاحتلال، وأن يتبلور الخطاب الإعلامي العربي على أسس فكرية وقانونية، تفضح الممارسات الإسرائيلية بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وهذا يستدعي الانفتاح على مختلف مؤسسات المجتمع الدولي لتأكيد مشروعية حقوق الشعب الفلسطيني على تراب وطنه الذي يحتله اليهود، ومن هنا تبرز الحاجة لمضاعفة الجهود من قبل أهل الثقافة والفكر العرب، ذلك لأنّ مواقف الشعب الفلسطيني بكل مكوناته، تؤكد على أنه يتعذر على كل الدسائس أن تطمس الهوية الفلسطينية أو تلغي الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني على تراب وطنه المحتل من قبل إسرائيل، بعد أن صمم أبناء الشعب الفلسطيني على أن يرفعوا أصواتهم عالياً وأنه يستحيل الغاء وجودهم.

أشدنا في بداية هذه الدراسة، بدور الأمهات الفلسطينيات اللواتي يُنجبن الشهداء، ويزغردن في جنازاتهم، ليقدمن أروع الأمثلة في مقارعة المحتل الصهيوني الذي يُمارس أبشع أنواع البطش بأبناء الشعب الفلسطيني ، ونبقى أمام المشهد الذي يليق بأبناء هذا الشعب، وهو أنّ جيل الشبان الذين نشأوا في ظل الاحتلال، يعشقون الشهادة بعد أن تخلصوا من عناصر الخوف، وسجلوا مواقف تؤكد حقيقة الوعي بقضيتهم ومواصلة النضال من أجل التثبت في أرضهم واستعادة حقوقهم التاريخية المغتصبة.

Email: am_jaradat@yahoo.com

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!