موضوع الساعة الذي يتداوله الناس في هذه الأيام هو المناهج والكتب المدرسية التي هي ترجمة لها وتنبثق عنها – بناءً وتطويراً وتعديلاً . كثر الخائضون فيها مِمّنْ يعلمون ولا يعلمون من أمر المناهج شيئا .المنهاج هو الطريق الذي سيسلكه الطالب والمعلم إلى التربية والتعليم ،وينبثق من فلسفة التربية والتعليم للدولة .ومن المناهج تنبثق الكتب المدرسية التي هي ترجمة عملية لها .والمناهج علم قائم بذاته وهي من التخصصات التربوية التي ينال فيها التربويون أعلى الشهادات . ويعد تخطيط المناهج وتأليف الكتب المدرسية من أصعب المهام التي تضطلع بها وزارة التربية والتعليم .ومن المؤسف أن يتصدى – أحيانا – لهذه العملية الخطيرة غير المؤهلين من قبيل (التنفيع) والمحسوبيات ليس إلا .وإذا أردتم أن تحكموا على منهاج ما فاحكموا عليه من ناتجه الذي يمكن قياسه لدى الذين تتلمذوا عليه .ما زلت أذكر أحد أساتذتنا في الدراسات العليا ،الذي قال لنا في إحدى محاضراته :”حين ابتعثتُ إلى أمريكا في برنامج الدكتوراة عدتُ طالبا مع طلاب الصفوف الابتدائية لأتعلم مهارات بحثية وتقنية فاتتني في بلدي .فمناهجنا تركز على المعلومة ولا تركز على المهارة “.أكاد أختنق وأنا أقرأ لأحد كتابنا في صحيفة رائدة وهو يسطّح عملية تطوير المناهج وتعديلها ويحصرها في استبدال أسماء بأسماء لإثارة الرأي العام ضد وزارة التربية والتعليم والحكومة .لا أدري لماذا يسمح لمثل هؤلاء أن يشكلوا الرأي العام وتُفتح لهم أبواب الصحافة ويُسْتثنى منها أناس ذوو كفاءة ونضج .
في أثناء عملي في المملكة العربية السعودية كُلّفتُ بوصفي مشرفا على تدريس اللغة العربية بتعديل الكتب المدرسية للصفوف الابتدائية من الرابع حتى السادس في مدارس الملك فيصل التابعة لمؤسسة الملك فيصل العالمية . انتدبت أحد الزملاء في قسم اللغة العربية ،وساعدني في المهمة التي تحتاج إلى فريق متكامل .وحتى لا أستثير الرأي العام واختصارا للوقت أبقيت على نصوص القراءة والمحفوظات في الكتب وحذفت بعضها ،ثُمّ أخرجت البقية بطريقة مشوّقة وضمنتها أنشطة ممتعة ومثيرة لمهارات التفكير .وتخلصنا من الأنشطة التي لا تخدم الدارس ولا تُحفّزه .وقد أحدثت الكتب ببنائها الجديد نقلة نوعية كانت مَحطّ إعجاب أولياء الأمور والمسؤولين .ولا أذكر أنّ أحدا قد اعترض على ذلك ؛فالكل كان متعطشا لهذه الخطوة بدءا من الأمراء مالكي المدارس وهم أنجال الملك فيصل – طيّب الله ثراه وانتهاء بالأطفال الذين كانوا يسبقون المعلم في تنفيذ الأنشطة .وقد استفدت في مهمتي تلك من الاطلاع على بعض الكتب المدرسية الأمريكية والبريطانية .ثم غادرت المدارس بعد إحدى عشرة سنة والكتب تدرس فيها . التشويش على وزارة التربية والتعليم لا يفيدنا أبدا في هذا المجال، دعوا الوزارة تعمل ما تراه مناسبا ولا تضعوا في طريقها العراقيل من أجل أسماء سميتموها ،فهذه مسؤوليتها وهي الأقدر منّا جميعا على حملها.